مؤسسة الإمام الشيرازي العالمية تصدر بيانا حول اليوم العالمي للغة الأم

مؤسسة الإمام الشيرازي العالمية تصدر بيانا حول اليوم العالمي للغة الأم اصدرت مؤسسة الإمام الشيرازي العالمية في واشنطن بياناً حول اليوم العالمي للغة الأم قالت فيه ، هناك لغة مشتركة لدى أكثر من شعب من شعوب العالم، تتعلمها الأمم لأنها أكثر اللغات استخداما في العلاقات بين الشعوب وفيما يلي نص البيان :

في عالم اليوم المئات من اللغات الإنسانية، فكل قوم من الأقوام يتكلم بلغة لا يفهمها إلا السكان الناطقين بتلك اللغة أو المتعلمين لها، وكثيرا ما توجد أكثر من لغة في بلد واحد، فالأسبان يتحدثون بلغة تختلف عن اللغة التي يتحدث بها الفرنسيون، والفرنسيون يتحدثون بلغة تختلف عن اللغة التي يتحدث بها العرب، كما تتعدد اللهجات في داخل اللغة الواحدة من شعب إلى شعب، فالشعب العربي الذي ينطق بالغة العربية، لا ينطقها نطقا واحدا، لان العراقي ينطق باللهجة العراقية، واللبناني باللهجة اللبنانية، والسعودي باللهجة السعودي وهكذا…وقد تكون هناك لغة مشتركة لدى أكثر من شعب من شعوب العالم، تتعلمها الأمم لأنها أكثر اللغات استخداما في العلاقات بين الشعوب، وبتلك اللغة تدرس العلوم والآداب والفنون العالمية، وبالتالي يضطر طلبة العلوم والوافدون إلى تعلم هذه اللغة ليتمكنوا من التعامل والتواصل الاجتماعي مع الناطقين بالغة الشائعة، مثل اللغة الإنكليزية.

فما معنى أن يحتفل المجتمع الدولي باليوم العالمي للغة الأم. فهل تجمع الأمم والشعوب لغة واحدة هي “لغة الأم”

في الربع الثاني من القرن المنصرم، قبل انفصال بنغلادش عن الباكستان واستقلالها، كانت اللغة الوحيدة التي تُدرس في المدارس والمعاهد والجامعات الباكستانية آنذاك، هي اللغة الاردوية، في حين أن الشعب البنغلادشي كان يتكلم البنغالية، إلا أن اللغة البنغالية لم تكن لغة رسمية في باكستان، لذلك بُذلت جهودا حثيثة، ونشاطات متزايدة من قبل المثقفين والأكاديميين البنغاليين، لجعل اللغة البنغالية لغة رديفة تُدريس قواعدها وآدابها على قدم المساواة مع اللغة الاردوية “الاردو ” إلا أن مساعي الاعتراف باللغة البنغالية لم تلق صدا عند المسئولين في الباكستان.

وعندما استقلت بنغلادش عن الباكستان، واعتمدت لغتها البنغالية كلغة رسمية لها، قامت في 21 شباط عام 1999يوما للغة الأم، تخليدا لإحياء ذكرى الذين ضحوا بأنفسهم من اجل لغتهم البنغالية، ثم تقدمت بنغلادش بمقترح إلى منظمة اليونسكو لاعتماد يوم لغة الأم يوما عالميا رسميا، وتسميته باليوم العالمي للغة الأم، وبالفعل تم قبول هذاالمقترح في الاجتماع الثلاثين لليونسكو الذي عقد عام 1999 بعد أن حضي بموافقة بلدان مثل روسيا، شيلي، هولندا، سويسرا، البارغواي ، جمهورية الدمنيكان، الهند، ماليزية، العربية السعودية، المجر، وغامبيا، والعديد من بلدان العالم.

ومن هنا تحتفل منظمة اليونسكو في الحادي وعشرين من شهر شباط من كل عام، ومعها العالم المتمدن ومنظماته الإنسانية، في اليوم العالمي للغة الأم، لان اللغة في نظر المجتمعات والشعوب المتحضرة، تمثل مرتكزا من مرتكزات البناء الحضاري والإنساني، ومعلما بارزا من معالم تمايز بعض الشعوب عن بعضها الأخر، كما أنها باب من أبواب التواصل الفكري بين بلدان لها ألسن مختلفة.

قد يكون التنوع اللغوي عامل استقرار وتفاهم بين الأمم والشعوب، وذلك إذا ما توفرت لدى الناطقين المختلفين معايير القناعة بوجود التنوع الإنساني، بل بضرورته في الطبائع وألوان والحجوم والأصوات والقابليات، وليس في اللغة وحسب، فكما أننا نقبل الأبيض والأحمر والأسود الناطقين بلغتنا، فأننا نقبل أيضا الألوان المؤتلفة أو المختلفة إذا كانت تعبر عن ذاتها بلغة ليس من جنس لغتنا، لان التنوع اللغوي هو من سنخ التنوع ألطبعي والحجمي والمؤهلاتي، فقبولنا بهذه الأنواع من التنوع، جزء من قبولنا بالتنوع اللغوي، فكل أنواع التنوع هو سنة من سنن الحياة الإنسانية من اجل التعارف والتفاهم والتواصل، لا من اجل التناكر والاختلاف والقطيعة، وبالتالي يمكن توفير أجواء الأخوة الإنسانية بتنوعاتها المختلفة عبراحترام اللغات، وإعطاء كل ذي حق حقه، فاختلاف اللسن في إطار الدولة الواحدة مثلا لا يشكل عائقا في تساوي أفراد الدولة بالحقوق والواجبات، إذ توفرت أدوات الاعتراف بالغير.

ولكن قد تتحول قضية اختلاف اللغات بين القوميات إلى عامل من عوامل زعزعة الاستقرار الوطني والدولي، وخاصة عندما يكون الناطقون باللغات المختلفة يعيشون ضمن حدود بلد واحد، وتجمعهم راية واحدة، لان كل جماعة قومية تنطق بلغة تختلف عن لغة الجماعة القومية الأخرى، وبالتالي تعمد الأكثرية السكانية أو السياسية في الدول “النامية” مثلا إلى إجراءات دستورية وقانونية وتطبيقية لمنع تداول لغة قوم يشكلون الأقلية في بلد ما من البلدان، كالنص في الدستور على لغة رسمية واحدة، وتشريع القوانين العقابية بحق الناطقين بلغة الأقلية غير الرسمية، وحظر كتابة الخطابات الرسمية بتلك اللغة، وما ينتج عن ذلك من التفرقة الجنسية في حقوق تلك القوميات، ومن هنا فلا تزال النظم التعليمية في الكثير من بلدان العالم تفرض على مواطنيها لغة واحدة كلغة رسمية يستفاد ويتخاطب بها الجميع، إلا أنها تسمح بهذا القدر أو ذاك للغات القومية الأخرى، أن تنمو وتتطور في البلد الواحد، إلا أن البلدان التي تسيطر عليها الأيدلوجيات العنصرية، فأنها تطرح لغة رسمية واحدة وتفرض ثقافة واحدة، ولا تفسح المجال لنمو أو انتشار أي لغة أو ثقافة محلية أخرى ، في حين توفر جميع الإمكانيات للغة الرسمية لبلدانها، الأمر الذي يتطلب من مثل هكذا أنظمة أن تسعى إلى تغيير هذا النهج الديكتاتوري، وإلا فأنها قد تعرض بلدانها إلى حالة من عدم الاستقرار والصراع الثقافي والفكري.

 لقد أصدرت اليونسكو “أطلس اللغات المهدد في العالم ” يتيح هذا الأطلس تحديد المواقع الساخنة التي يكون فيها التنوع الثقافي واللغوي في حالة خطر،كما يتضمن هذا الأطلس حقائق مخيفة عن اللغات المهدد، في كافة أنحاء الكرة الأرضية،فعلى سبيلالمثال لا الحصر هناك حوالي 250 لغةفي أفريقيا مهدد بالانقراض، وبين 500 إلى 600 لغة من أصل 1400 لغة في مرحلة التقهقر، إلا أن هذا الأطلس يشيد بالهند حيث ذكر” أن شبه القارة الهندية المعروفة بتراثها اللغوي، قد حافظت معظم اللغات على حيويتها، بفضل التوثيق الجيد والسياسات المتبعة في مجال احترامالتنوع الثقافي”.

وبالتالي، فحيث أن اللغة أية لغة هي تعبير حيوي عن ثقافة وحضارة وسلوك الأفراد والجماعات التي تنطق بها، فهي الوسيلة الأكثر فعالية في تأكيد المشاعر والأحاسيس وترجمتها إلى سلوك وتصرفات تحكم العلاقات الخارجية لأفراد المجتمع الإنساني، فان العناية بالغات العالمية ورعايتها يعني احترام الجماعات البشرية المتحدثة بها، والقبول بوجودهم كجزء من المكون الاجتماعي له الحق في ترجمة أفكاره بتعبير لغوي يعتقد به واعتاد عليه.

إن السعي إلى تفعيل دور الكيانات الثقافية المتعددة داخل المجتمع الواحد وتفعيل اللغات الحية داخل المجتمع الإنساني بشكل عام له ضرورته في تغليب خاصية الحوار بين الحضارات وتلاقح القيم والثقافات وهو سبيل أساس لتغليب قيم التسامح الفكري والسياسي والابتعاد عن العنصرية والانغلاق والجمود الفكري والانعزالية لان تلك الصفات مدعاة لإنتاج ثقافة العنف والكراهية والإرهاب .

وعليه نقترح بمناسبة هذا اليوم العالمي

– التعريف بالغات العالمية بالقدر المستطاع وبيان أوجه التشابه اللفظي والمعنوي بينها.

– تأكيد وحدة الانتماء والمشاعر الإنسانية بين جميع الناس طبقا لـ”كلكم من آدم وآدم من تراب” رغم تنوع وسائل التعبير والتمثيل.

– السعي لتغليب حالة الحوار الفكري والثقافي بين الناطقين بالغات المختلفة.

-السعي لتحقيق قدر من التوازن بين لغة الأكثرية ولغة الأقلية في إطار الدولة الواحدة، لان تغليب لغة على حساب أخرى، ليس من شؤون العدالة الاجتماعية فضلا عن انه يقود بالنتيجة إلى الكراهية والحقد والعنف بين أبناء البلاد الواحد.

 

مؤسسة الامام الشيرازي العالمية

الولايات المتحدة الامريكية

واشنطن

السيد مرتضىالشيرازي