محبة المرجعية و الانقياد لأوامرها

محبة المرجعية و الانقياد لأوامرها

في كثير من الحكومات التي حكمت باسم الدين و استغلت معتقدات الناس فإن نتيجة الأمر أدى إلى ارتداد الكثير من الناس حيث جعلتهم يخرجون من دين الله أفواجا! و ذلك بعد ظهور الكذب والخداع في سياساتها.

لكن من جعل الأمور في موازينها و ميّز الذهب عن التراب باظهار حقيقة الدين اللامعة هم مراجع الدين رغم تعرّضهم لكل ما تعرّضوا تحت حكم اصطبغت بصبغة  بالدين. و بذلك استطاع  الناس أن يُفرِّقوا بين من يخدعهم و بين من يريد صلاحهم..

لقد عرض تلفزيون الـ BBC  باللغة الفارسية مؤخرًا  برنامجًا وثائقيًا يتكون  من ثلاث حلقات استعرض فيها الحياة السياسية لـ صادق قطب  زاده  الذي كان يعتبر من أقرب المقربين لزعيم الثورة الإيرانية السيد روح الله الخميني ثم أصبح بعد انتصار الثورة رئيس مؤسسة الإذاعة و التلفزيون ثم وزيرًا للخارجية لكنه صار من المغضوب عليهم و تمّ إعدامه في السجن بعدما اتُهم بإعداد خطة لقلب نظام الحكم في إيران و اغتيال زعيم الثورة.

و كانت الحلقات قد أُعدَّت بمناسبة الذكرى الواحدة و الأربعين للثورة.

‎ ما يخص هذا البحث العاجل; هو التطرق لإحدى الاتهامات الموجهة لـ قطب زاده و التي تتلخص في تنسيقه مع المرجع الراحل السيد محمد كاظم شريعتمداري لـ تنفيذ الخطة المزعومة; و كانت تلك الخطة ذريعة لشنِّ الهجوم على السيد شريعتمداري و أذيته و أخذ الاعتراف منه أمام عدسة التلفزيون الإيراني و ذلك في وقائع تاريخية لا يسع المقام لذكر تفاصيلها لكنه قد تبيّن فيما بعد أنها كانت محض افتراءات ملفقة لتصفيته باعتباره شخصية دينية بارزة معارضة لنظام الحكم.

‎و كان يعتبر أول استهداف علني للمرجعية الدينية بعد استقرار النظام الديني .. و قد استمر مسلسل استهداف المراجع و ارتفعت شعارات في أوائل الثورة مثل : “مرگ بر سه مفسد روزگار.. خوئي، قمي، شريعتمدار”.. أي الموت للمفسدين الثلاثة: الخوئي و القمي و شريعتمداري ؛ و هم عبارة عن المرجع السيد أبو القاسم الخوئي المقيم في النجف الأشرف, و المرجع السيد حسن القمي الطباطبائي المقيم في مدينة مشهد المقدّسة و السيد شريعتمداري المقيم قي قم المقدّسة, و كان لكلٍّ منهم آراء متباينة مع قيادة النظام الإيراني.

‎ثم استمرت وسائل الإعلام الرسمية و شبه الرسمية و منابر  السلطة في تسقيط بعض المراجع أيضًا عبر المنابر و خطب صلاة الجمعة ، ومثال ذلك: نعت الشيخ أحمد جنتي في خطب الجمعة و لأكثر من مرة السيد السيستاني بـ العمالة لبريطانيا.

‎من هنا و بناءًا على ما سبق; نجد أن المرجعية الشيرازية لم تسلم كذلك مما يُثار بين الفينة و الأخرى من دعايات ضد المرجعيات في هذا المسلسل..إلا إنها وقفت ثابتة لارتباط عامة أفراد المجتمع بقيادتها الحكيمة و كذلك لعدم انجرار المرجعية نفسها للرد على تلك الدعايات الباطلة من باب آخر ..

‎ و كلا العاملين السابقين قد أفشلا أثر تلك الدعايات..

‎و ما المظاهرات في العراق في الآونة الأخيرة و دعم السيد السيستاني لها إلا  شاهد على صحة هذا المدّعى ..حيث إنه رغم تحذير مرشد الثورة الإيرانية السيد الخامنئي لتلك المظاهرات و وصفه للمتظاهرين بـ المخرِّبين و الإرهابيين و العمالة إلا أنها كانت متوقّدة بتأييد السيد السيستاني.. فهل كانت فعلا عمالة ام حقٌّ يُطلب!؟

من هنا و بناءًا على ما سبق يمكن القول: لا يخفى أن قدرة المجتمع على تشخيص الغث من السمين فيما يطرح بشأن المرجعية كان حجر الأساس في بقاء بناء الدين شامخًا  ..كما أنَّ العامة باتت تميّز بين الحكومة التي تحكم باسم الدين وهي على خلاف ما تزعم و بين القيادة المرجعية التي كانت ولاتزال تعمل باخلاص لاقامة دين الله..

اما عن المخاوف التي تثار بأن البعض انخدع  وارتد عن الدين ومرق بعدما جَهِل الحق و فُتِن  بسبب تصرفات الحاكمين..فهؤلاء ليسوا بتلك الكثرة لتجلي دور المرجعية على عامة الجماهير و فهمهم ان الدين الحقيقي ليس كما تتداوله الحكومات التي تحكم باسم الدين ولكن الذي يحكمها إنما هي مصالحها التي توجب استمرارها في الحكم .. و من هنا فإن  ظاهرة الارتباط  بـ المرجعية و الانقياد لأوامرها  مادامت مستمرة في نفوس الناس فـ لا خوفٌ عليهم و لا هم يحزنون.

حسن كاظم

٢٧/٢/٢٠٢٠