المجتمع المهدوي وحكومته

قراءة من رؤى سماحة المرجع الشيرازي دام ظله(السيد صادق الحسيني الشرازي دام ظله الوارف)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

استهلال:


خلق الله الإنسان مجبولاً على الاجتماع بين أفراد جنسه حيث متطلبات الإنسان اما ان تكون جسدية كالأكل والشرب والسكن واللباس او تكون متطلبات نفسية ضرورية كاحتياجه إلى العلم والأدب والفضيلة والاجتماع، وقد جعل الله سبحانه وتعالى حين خلق الخلق قوانين تحكمه، وهي اما ان تكون تشريعية او تكوينية.
وهي ذاتها القوانين التي تحكم الناحية النفسية في الإنسان من كيفية تلقي العلم والأدب وطرق اكتساب الفضائل وقوانين الإجماع الإنساني فإن اتبع الإنسان القوانين الإلهية بلغ درجات الكمال فذاك هو المجتمع الصالح الذي ينتفع بوجوده كل فرد وان الله سبحانه ينزل بركاته الى الأرض حينئذ لان قانونه فرض ذلك وفي هذا الصدد نجد سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله يقول: «في كل آية قرآنية وحديث شريف إنقاذ لنا من باب من أبواب المشاكل التي نعاني منها، فلنرجع الى القرآن ونطبقه حرفيا على وضعنا المعاصر، لينزل الله علينا بركات من السماء والأرض»، ويقول ايضاً: « لو يطبق الإسلام، إسلام رسول الله، وإسلام أمير المؤمنين، وإسلام الإمام الحسين، وإسلام أهل البيت عليهم جميعاً صلوات الله على أية بقعة من بقاع العالم لانقضى وفي أمد قليل عنها الفقر والظلم، وكل أنواع الفساد والانحراف ولحل محلها الفضيلة والرفاه والخير والسعادة بما للكلمات من معنى وهذا هو ما سيحققه ولي الله الأعظم صاحب العصر المهدي المنتظر الموعود صلوات الله عليه وعجل فرجه الشريف عند ظهوره الميمون في أحلى صورة وأتم معنى».
وأما إذا انحرف المجتمع عن تلك القوانين توجب العطب والهلاك ولذا قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي  فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً)[1] .

الأمة الواحدة:


ان من ابرز معالم الحكومة المهدوية المرتقبة هي حكومة الامة الواحدة، قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيَما اخْتَلَفُوا فِيهِ)[2].
المنظور القرآني للمجتمع الإنساني إنه كان أمة واحدة ذات ثقافة واحدة ونوع واحد وانها مؤلفة من شعوب وليست أمم فالشعوب ظاهرة صحية في الاجتماع الإسلامي قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى‏ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[3].
ومن اجل الوقوف على المعنى جليا لابد من الوقوف على معنى كلمة امة وفق الاستعمالات القرآنية لها حيث إن الأمة في الكتاب العزيز جاءت على وجوه:
أمة بمعنى الجماعة قال تعالى: (وَلَمَّا  وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ)[4] وسميت بذلك لأن الفِرَق تأمّها، وقال تعالى: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً)[5] وقال تعالى: (وَتَرَى‏ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى‏ إِلَى‏ كِتَابِهَا)[6].
وأمة: رجل جامع للخير يُقتدى به ومنه قوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[7].
وأمة: دين، ومنه قوله تعالى (إِنَّا  وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى‏ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى‏ آثَارِهِم مُهْتَدُونَ)[8].
وأمة كذلك حين وزمان، ومنه قوله تعالى: (إِلَى‏ أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)[9]، وقوله تعالى(وَادَّكَرَ بَعْدَ  أُمَّةٍ)[10].
ومحل البحث هو في قوله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيَما اخْتَلَفُوا فِيهِ)[11] أي كانوا مذهباً واحداًَ قبل نوح متفقين على الفطرة فاختلفوا فبعث الله النبيين، وأمّة كل نبي أتباعه ومن لم يتبع دينه ـ وإن كان في زمانه ـ فليس من أمته.
والأمّة كذلك: كل جماعة يجمعهم أمر، أمّا دين واحد، أو دعوة واحدة، أو طريقة واحدة، أو زمان واحد، أو مكان واحد، ومنه الحديث: «يبعث عبد المطلب أمة وحده، عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء»[12].
ان الإفراد في الأمة ـ كونها تكتل اجتماعي ـ يؤثر أحدهم بالآخر، وذلك التأثير إما أن يكون تأثيراً ايجابياً فينتج «الترابط الاجتماعي» وقد يكون التأثير سلبيا فينتج «التدابر الاجتماعي».
والترابط قد يكون لأجل هدف واحد فيجتمعون للوصول إليه بدون أن يكون للمجتمعين لون واحد، وهذا يسمى بالترابط الهدفي.
وقد يكون من أجل وحدة اللون التابعة لوحدة الثقافة في الأخلاق والآداب والدين والمراسم وهذا يسمى بالترابط الاجتماعي[13].

المجتمع المهدوي والحكومة المرتقبة:


ان الهدف الأسمى لرسالات السماء كافة هو الوصول الى المجتمع المعصوم الخالص من الشوائب البشرية كافة، وان هذا الهدف سيتحقق وفق الوعد الإلهي على يد الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف، يقول سماحة السيد المرجع: «سيحقق الإمام المهدي عجل الله فرجه وكما وعد سبحانه النتيجة النهائية التي أرادها الله تعالى من وراء بعثة الرسل والأنبياء كلهم من لدن آدم حتى الخاتم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين».
كما وان مجتمع العدل الإلهي الذي سيتحقق سيكون في قمة الترابط الاجتماعي حيث ان المؤمنين فيه إخوة كما قال الله سبحانه وتعالى:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[14]، و بذلك تكون الأمة الواحدة ذات الثقافة واحدة ولا محل لأي ثقافة أخرى وهذا هو السبب الأم للترابط الاجتماعي كما قرره علماء الاجتماع.

الرقابة في الحكومة المهدوية:


ان من معالم حكومة الإمام الموعود انه سلام الله عليه مراقب لجميع أفعالنا وبدقة عالية وبالتالي فأنه لا يخفى عليه شيء وذلك أمر مؤيد من قبل الله سبحانه وفيه يقول سماحة السيد دام ظله: «الإمام المهدي عجل الله فرجه وكما في الروايات مؤيّد بروح القدس وبينه وبين الله عز وجل عمود من نور يرى فيه أعمال العباد، وكل ما يحتاج إليه، فهو يرى كلامنا واجسامنا وكل ما يظهر منا ويرى كذلك ما وراء الكلام والسطور ويرى الفكر والنوايا فهو يرى الشيء الذي نفكر فيه عندما نتكلم أو نكتب»، كما وينبغي التنويه الى ان ذلك غير مختص بظهور الإمام عجل الله فرجه بل هو الآن مراقب لنا ولأعمالنا وهذا الأمر غير معارض لما قدمناه.

سيرة الإمام عجل الله فرجه هي سيرة الرسول صلى الله عليه وآله:


إن حكومة الوعد الإلهي هي انعكاس لحكومة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والفرق لايكون من خلال السيرة فإنها ذات السيرة انما الفرق هو في حكومة الإمام يبلغ النضج الاجتماعي حدا لا محل فيه للتدابر الاجتماعي، اما السيرة فكما قلنا لا فرق فيها يقول سماحته: «إذا أردتم أن تعرفوا سيرة الإمام الحجة عجل الله فرجه في التعامل مع الأصدقاء والأعداء فانظروا إلى سيرة أمير المؤمنين علي عليه السلام فهذا تاريخه صلوات الله عليه بين أيديكم دوّنه الشيعة والسنة والنصارى واليهود وغيرهم في صفحات مشرقة»، ويقول ايضاً: «هل تريدون أن تعرفوا عن حكومة الإمام المهدي عجل الله فرجه أكثر؟ إذاً انظروا إلى تاريخ الرسول الأكرم وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما وآلهما».
ويقول كذلك بأن الإمام عجل الله تعالى فرجه هو من سيقرر مصير البشرية قال سماحته: «الإمام المنتظر عجل الله فرجه هو الذي سيقرر بإذن الله تعالى مصير البشرية ككل ويجعل نور الله تعالى الذي انتشر عبر البعثة النبوية يعم بقاع الأرض كلها», والحمد لله رب العالمين.
_________________________
[1] طه: 124.
[2] البقرة: 213.
[3] الحجرات: 13.
[4] القصص: 23.
[5] النحل: 84.
[6] الجاثية: 28.
[7] النحل: 120.
[8] الزخرف: 22.
[9] هود: 8.
[10] يوسف: 45.
[11] البقرة: 213.
[12] مجمع البحرين، فخر الدين الطريحي، تحقيق أحمد الحسني، دار احياء التراث العربي 1403هـ، الطبعة الثانية ج 6 باب ما أوله الألف، ص 13.
[13] الاجتماع، الامام الراحل السيد محمد الشيرازي دار العلوم الطبعة السابعة 1431هـ الجزء الأول، ص 39.
[14] ـ الحجرات:10.