تزامناً مع الذكرى السنوية الثانية لرحيل إمام اللاعنف المجدد الثاني الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) عقدت مؤسسة الامام الشيرازي العالمية يوم السبت (29/11/2003) ندوتها الفكرية الثانية في العاصمة واشنطن تحت عنوان (اللاعنف منهج استراتيجي في الحياة) تحدث فيها ضيف الندوة الداعية الأستاذ الشيخ جودت سعيد وسماحة اية الله السيد مرتضى الشيرازي الامين العام للمؤسسة.
في بداية الندوة التي حضرها عدد من الاكاديميين والمهتمين والتي دامت زهاء ثلاث ساعات، تحدث مدير الندوة الأستاذ نزار حيدر عن فلسفة نظرية اللاعنف عند الامام الشيرازي، والمنطلقات التي كان الراحل يعتمدها في التنظير لهذه النظرية وتاصيلها انسانياً واخلاقياً وعقلياً ومنطقياً، معتبراً ان ماكان يسميه المجدد الثاني بالعنف اللساني هو الشرارة لكل انواع العنف والارهاب الذي يمارسه المنحرفون ضد الانسان بغض النظر عن هويته، وبذلك كان الامام الشيرازي يسعى لالغائه من الممارسة اليومية لابناء المجتمع حتى لايتطور عندهم الى ممارسات عنفية اخرى أخطر وأعظم.
واعتبر مدير الندوة بان العنف هو ضد الرفق الذي ورد في الحديث المأثور ( ما وضع الرفق على شئ الا زانه، وما وضع الخرق على شئ إلا شانه) مدللاً على ان اللاعنف هو الاصل في ممارسة الانسان، وان العنف شذوذ ينبغي ان لايقع في ورطته العاقل.
الشيخ جودت سعيد (ضيف الندوة) تحدث عن تجربته الخاصة في تبني نظرية اللاعنف منذ أكثر من ثلاثة عقود، عندما كان طالباً في العاصمة المصرية القاهرة قائلاً:
لقد عشت نمو العنف في مجتمعنا الاسلاميوخاصة في مصر الكنانة، فانكببت على دراسة تاريخ ابني آدم وقصة اول عنف مارسته البشرية عندما قتل قابيل هابيل، ثم استعرضت تاريخ الاقوام والشعوب على مر التاريخ البشري، حتى وصلت الى تجربة الإسلام ونبيه الكريم،وما تبعته من تجربة إنسانية مرَ بها المسلمون عبر قرون متمادية، فخرجت بنتيجة مفادها ان اللاعنف والسلم هو الأصل والاستراتيجية في البناء النبوي الذي اوحى به الله سبحانه وتعالى الى بني البشر عن طريق الوحي الى أنبيائه ورسله، وان العنف والإرهاب حالة وضعية تصاب بها الأمم والشعوب لاسباب يفترض ان تكون طارئة.
اضاف:
ولما عشت التجربة المرة لبداية تورط المصريين بالعنف في الستينيات من القرن الماضي، سعيت الى ان انظر لنظرية اللاعنف من خلال البحث والكتابة والخطاب والبيان في محاولة لوقف التدهور الخطير الذي انزلقت فيه آنذاك بعض الجماعات المتطرفة.
وبعد ذلك ‘ يضيف الشيخ جودت سعيد، اطلعت على دراسات في نظرية اللاعنف للامام الشيرازي،وعرفت ان هناك جهداً كبيراً بذله هذا المرجع الديني والعالم الرباني للتنظير وتأصيل هذه النظرية، فسعدت بذلك لأنني شعرت وقتها بانني لست وحيداً في ساحة المواجهة ضد العنف والارهاب وانما هنالك مدرسة فكرية متكاملة في الساحة تتبنى هذه النظرية في العمل الاسلامي، وهذا ما يثلج الصدر، لأنه يعني فيما يعني ‘ عدم خلو الساحة من عقلاء القوم الذين يصممون على التصدي لكل ظواهر الانحراف الثقافي والتفكير الخاطئ.
آية الله السيد مرتضى الشيرازي، تحدث في الندوة كذلك عن تجربته في تبني نظرية اللاعنف، معتبراً انه فتح عينيه في اجواء هذه النظرية التي تبناها والده المجدد الثاني الامام الشيرازي الراحل (قدس سره) والذي بذل جهداً كبيراً لتأصيلها فقهياً وعملياً من خلال العشرات من الكتب والبحوث والمئات من المحاضرات والندوات.
وأضاف:
إن العنف يبدأ بخطأ في الفكر، يصاب به الانسان، فيظل طريق التعامل السليم مع الآخر – أياً كان – يبدأ بتوزيع التهم والافتراءات ضد الآخرين -و العنفيبدأ صغيرا ليكبر الى حد انه قد يمارس ضده القتل ظلماً وعدواناً، ولتأصيل هذا الفهم الحقيقي لمرض العنف. سرد السيد مرتضى الشيرازي عددا من الآيات القرآنية والروايات المعتبرة الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه و اله وسلم)وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) بشأن طريقة تعامل الإنسان مع الآخر، والتي سعت كلها الى تصحيح الرؤية عند الإنسان في تقييمه للآخر وبالتالي في التعامل معه.و ذكرا ان البني النحتية في الإسلام كلها بنى سلمية و أفاض في الحديث عن قواعد الصحة و يد المسلم و غيبه المسلم و سوق المسلمين و كذلك قاعدة الإمضاء و الإقرار و الإلزام لإثبات ان الإسلام بنى أسس التعامل مع الأخر مسلما كان ام غير مسلم على أساس تقضي على أي مبرر للعنف و الإرهاب .
واستخلص الشيرازي في نهاية حديثه، ان السلم هو الاصل في الحياة، وكذلك فان حسن الظن بالآخر والنظرة الايجابية للآخرين هي الاصل في الحياة انطلاقاً من مجموعة من القواعد الفقهية التي اصَلت استراتيجية السلم والغت العنف الذي يعتبر شذوذاً لا ينبغي ان يلجأ إليه العاقل.
بعد ذلك طرح المتحدثان ‘ العقبات التي تقف عائقا في طريق ترسيخ نظرية اللاعنف ‘ ووضع الحلول المناسبة.
ثم طرح الحضور الكريم عددا من الأسئلة بشأن الموضوع ‘ كما تحدث عدد آخر بمداخلات في عنوان الندوة.
يذكر، إن مؤسسة الإمام الشيرازي العالمية – مقرها واشنطن- خططت هذا العام لعقد عدة ندوات فكرية تخصصية لبحث ابرز القضايا الاستراتيجية في حياة الإنسان المعاصر، خاصة من تلك التي تبناها المجدد الثاني الامام الشيرازي الراحل في مدرسته الفكرية العملاقة.