المدرسة الشيرازية والتسامح الديني (1)
سلسلة مقالات ثقافية تصدرعن مؤسسة الإمام محمد الشيرازي في نيجيريا
بقلم إبراهيم المعظم عبدالله
خطة البحث
أهداف الدراسة تهدف هذه الدراسة إلى عرض منهج المدرسة الشيرازية في الفكرية والثقافة وأسلوبها في الدعوة والتبليغ للكشف عن حقائق المرجعية التي طالما خفيت للكثير من عشاق العلم والمعرفة بسبب التعتيم الإعلامي الذي سخره البعض لتشويه سمعة هذه المدرسة العريقة.
دوافع البحث وأهم الدوافع التي أخذت بيد الباحث للكتابة في هذا الموضوع:
يرى الباحث أن معظم الطلاب-عندنا-ممن لهم اهتمام بالقضايا المرجعية يلصقون- بشكل أو بآخر-للمدرسة الشيرازية أفكارا ما لها علاقة بالمدرسة حتى كادت المرجعية الشيرازية تساوي عندهم التشدد والغلو (مع الأسف الشديد) وسترون في نهاية المطاف أن الأمر بالعكس تماما، فالمرجعية الشيرازية تساوي الرفق والتسامح:أسلوبا ومنهحا.
أهمية البحث وتأتي أهمية هذه الدراسة في الوقت الذي بدأت ظواهر تكفيرية(بين الطرفين) تلوح في الأفق وتعلو في السطح زد على ذلك ارتفاع صدى السب والشتم واللعن في بعض شخصيات تاريخية محترمة لدى طائفة معينة!! وتأتي هذه البلبلة الفكرية والزوبعة الإعلامية مع الحاجة الملحة إلى التعايش والسلام والوئام اجتماعيا وسياسيا.
إشكالية البحث وأهم إشكالية تبدو أمام الباحث في هذه الدراسة:
هل كانت الجماعة الشيرازية تسلك طريق العنف والتطرف في الدعوة والتبليغ؟
وهل كتابات الأسرة الشيرازية الكريمة تحمل في طياتها أفكار الغلو والتشدد؟
أليس الإمام محمد الشيرازي هو حامل لواء الرفق والسلام في تأليفاته التي جاوزت الألف؟
وأليس هو (قدس) من أول الرافضين للعنف والتطرف بكل أشكاله؟
ولماذا خفيت هذه الحقائق للكثير من طلاب الحقيقة عندنا؟
وهذا ما سيحاول الباحث الإجابة عنه في هذه الدراسة المختصرة بإذن الله تعالى.
وللحديث بقية
المدرسة الشيرازية والتسامح الديني(2)
سلسلة مقالات ثقافية تصدر عن مؤسسة الإمام محمد الشيرازي في نيجيريا
بقلم إبراهيم المعظم عبدالله
نظرة في المصطلح
يجدر بالباحث قبل الخوض في صلب الموضوع التوقف على كلمة (التشدد).
التشدد في الدين هو الغلو وتجاوز الحد في الأقوال والأفعال-إفراطا وتفريطا،يقال: رأى في موقفه تشددا،أو تصلبا،وضده التسامح:(المعجم الوسيط)
وقيل:التشدد هو التكلف والتصنع والمبالغة والمغالة:(معجم المعاني)
مظاهر التشدد
ومن مظاهر التشدد:أن تختار لنفسك ما يطيب له من فكر وعقيدة،وتلزم الآخرين على ذلك المنهج بغض النظر عن انتماءاتهم وتوجهاتهم!
ومن أوضح مظاهر التشدد:
-الغلو في الرأي و محاسبة الناس على الجزئيات.
-العنف في التعامل، والخشونة في الأسلوب دون التعامل بالحوار،و الاعتراف بالرأي الآخر.
-سوء الظن بالآخرين والنظر إليهم نظرة تشاؤمية بحيث لاترى أعمالهم الحسنة.
من هم المتشددون؟
وعلى هذا فالتشدد لا يختص بتيار دون آخر، ولا بجماعة دون أخرى، فهو داء يصيب كل جسم إذا وجد السبيل إلى ذلك.
ويمكن قبول هذا الرأي بالنظر إلى أهم أسباب التشدد،ومن ضمنها:
-البيئة،التربية،السلوك
-الانحراف عن معايير العدالة الاجتماعية
-الجهل وقلة الوعي الثقافي
-التركيز على الجزئيات، والتمسك بالمهم دون الأهم
-عدم التفرقة بين النص الإلهي وأقوال العلماء، حيث يعتبر البعض أن أقوال العلماء دينا غير قابل للخطأ أو المناقشة، فتراهم يدافعون عن أقوال العلماء مثلما يدافعون عن النص الإلهي.
-التبعية و التقليد الأعمى
-التعصب الأعمى للمذهب أو الدين أو لمؤسسة دينية معينة.
التيار المتشدد
إذا فإنه يجانب الصواب من يرمي الشيرازيين بالتشدد والتطرف الفكري ويحاول ليل ونهار أن يلصق التهم ويلفق ويفتري لهذه الجماعة المتسامحة!!.
فإنه قد يوجد تشدد في الغرب كما يوجد تشدد في الشرق…!
ويوجد تشدد في السنة كما يوجد تشدد في الشيعة..!
ويوجد متشددون في أتباع المرجع الفلاني كما يوجد متشددون في المقلدين للمرجع الفلاني!!
وقد تجد تيارا مرجعيا متسامحا، وتيارا مرجعيا آخر متشددا…!
وعلى هذا فقس، إذا التشدد لا يختص ببيت دون آخر، وإنما يجد السبيل فيما إذا أصبحت الظروف ملائمة، والظروف قد تكون اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو غير ذلك.
وللحديث بقية
المدرسة الشيرازية والتسامح الديني(3)
سلسلة مقالات ثقافية تصدر عن مؤسسة الإمام محمد الشيرازي في نيجيريا
بقلم إبراهيم المعظم عبدالله
لكي نعرفهم
جدير بالباحث أن يقف قليلا على البيت الشيرازي وجماعته، لأن الكثير من طلاب العلم عندنا لا يعرف شيئا عن هذا البيت العريق إلا ما يملي عليه المغرضون الذين وظفوا إعلامهم لتشويه سمعة هذه الأسرة الكريمة.
في يوم من الأيام اتصل بي أحد طلاب العلم يريد منا أن نساعده بمؤلفات الإمام محمد الشيرازي موضحا بأنه لم يقرأ كتابا واحدا لأحد من أعلام الأسرة الشيرازية وجماعتهم… وفيما بعد تبين لي أن هذا الطالب المسكين يقدم محاضرات خاصة عن الشيرازية يستنكر ويفتري ويشجب فيها المرجعية الشيرازية….!مع أنه لم يقرأ كتابا واحدا لأحد من علماء هذا البيت الكريم!؟؟
ألا تتفق مع الباحث أخي القارئ أن هذا الرجل قد قرأ الفكر الشيرازي من المغرضين الذين اتخذوا دينهم سياسية ولعبا؟
ومن هم الشيرازييون
يُعرف جماعة الشيرازي بأنهم مجموعة من مقلدي الإمام محمد الشيرازي وأخيه من بعده، ينتشرون في دول الخليج العربي وإيران والعراق ولبنان وبعض دول غرب إفريقيا، وكذلك في جميع الدول الأوربية وأمريكا اللاتينية. (انظر:المنجد/قسم الأعلام)
عميد الأسرة الشيرازية
البيت الشيرازي العريق في الدين والعلم والزهد والتقوى هي من البيوتات العلمية التي قلما شهد عالمنا الإسلامي نظيرا لها خلال المائة عام الأخيرة.
وأعلى نجم نبغ في سماء هذا البيت العظيم هو:
آية الله العظمى المرجع الديني الكبير الإمام السيد محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي:
عالم ورع ومجتهد محقق وكاتب إسلامي مبدع ومؤلف مكثر ومرجع ديني مدبر وعارف حكيم وفقيه فحل وأصولي متعمق ذو مواهب وقدرات علمية كبيرة. (انظر:أسرة المجدد الشيرازي/نور الدين الشاهرودي)
سلطان المؤلفين
شرع التأليف في سن مبكرة أي في الخامسة عشرة من عمره الشريف.
جاوزت مؤلفاته ألف وخمس مائة كتاب وكتيب في مختلف مجالات المعرفة.
وله موسوعة فقهية كبيرة في مائة وخمسين مجلدا.
(انظر: الكتاب في فكر الإمام محمد الشيرازي) للكاتب السعودي الأستاذ حسن آل حمادة.
من مؤلفات الإمام الشيرازي
وكل مؤلفات الإمام الشيرازي تريك العقل الكبير والبحر البحر المحيط، والهمة العالية، تتميز بالدقة والسهولة والتنوع والحرية والدعوة إلى الرفق والسلام ونبذ العنف والتطرف مع معالجة القضايا المتجددة التي فرضها التطور العلمي الحديث، ومن أبرز هذه الكتب على سبيل المثال لا الحصر:
-كيف عرفت الله
-هل تحب معرفة الله؟ -كيف تدير الأمور
-من فقه الزهراء -مباحثات مع الشيوعيين
-وقفة مع الوجوديين -مائة سؤال حول الثالوث
-نقد نظرية فرويد
-كيف ولماذا أسلموا
-شرح الصحيفة السجادية
-توضيح نهج البلاغة -المدائح والمراثي -السبيل إلى انهاض المسلمين
-من أولويات الدولة الإسلامية
-الشورى في الإسلام -كيف نزوج العازبات وغيرها الكثير الكثير التي جاوزت الألف، ولله الحمد.
وللحديث بقية
المدرسة الشيرازية والتسامح الديني(4)
سلسلة مقالات ثقافية تصدر عن مؤسسة الإمام محمد الشيرازي في نيجيريا
بقلم إبراهيم المعظم عبدالله
السلم واللاعنف
العنف يعني: القسوة والشدة، عنَفه فهو عنيف..(المعجم الوسيط)
أما الرفق، فهو: اللين وحسن المعاملة، يُقال: – رَفَقَ به، وله، وعليه- رفقا: لَان له جانبه، وحسن صنيعه. (المصدر نفسه)
وعلى هذا فإن الرفق من لوازم المُبَلّغ الناجح، أما المبلغ العنيف الذي يتشدد ويعالج الأمور بعنف فسوف ينفض الناس من حوله عاجلا أم آجلا…
السلم واللاعنف في فكر الإمام محمد الشيرازي
إنه من الممكن القول: بأن الإمام محمد الشيرازي من أبرز الداعين إلى الرفق ونبذ العنف بكل أشكاله: سواء كان في التبليغ أم في الاجتماع أم في المدرسة أم في الأسرة، وقد طرح المصطلح العلمي لهذه الفكرة وخطّط له في كثير من مؤلفاته، حتى ألّف كتابا كبيرا بعنوان:
فقه السلم والسلام
وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على الاهتمام البالغ الذي يوليه الإمام بشأن هذه الفكرة.
من أقواله الإمام محمد الشيرازي في السلم واللاعنف
وهاهنا سيقف الباحث على جانب من كلمات سماحته لتسليط الضوء على جانب من الفكرة.
يقول الإمام (قدس) موضحا أسباب السلام العالمي الشامل:
من أسباب السلام مراعات حقوق الإنسان كما هو مقرر في الشرع.. كحق العلم والصحة والقضاء وسائر حقوقه المذكورة في محلها.
ويتحدث سماحته حول انعقاد المؤتمرات للحركات والتيارات الإسلامية المعاصرة:
ويبغي أن تكون هذه المؤتمرات قائمة على أسس السلم والسلام، لتكون الحركات الإسلامية بعيدة كل البعد عن العنف والإرهاب.
ويوضح الإمام دور الحركات الإسلامية في إزالة الإرهاب الفكري:
لقد وضع الإسلام الحلول الجذرية لحل مشكلة العنف والإرهاب. وكان من الممكن للمسلمين العمل على زوال الإرهاب وإحلال السلام محله وذلك بتطبيق القوانين الإسلامية.
وفي الفقرات التالية يشير سماحته إلى أهمية إحلال الأمن والسلام في المجتمع موضحا أهم أسباب الانحراف الاجتماعي:
ومن الواضح أن جميع الأمم البدائية منها لها عقوبات توجب صيانة المجتمع من الانحراف والفساد. لأن كثرة الجرائم والجنايات سبب للفوضى وتخلق الانحراف وتكثر الفساد، فالالتزام بالحدود والعقوبات يوجب صيانة المجتمع ويمنعه من الانحراف ويجعل منه مجتمعا سويا.
(يراجع: فقه السلم والسلام للإمام محمد مهدي الشيرازي)
إلى غير ذلك من تصريحاته التي تدعو إلى السلم والسلام بكل أبعاده الاجتماعية. والسياسية والاقتصادية والثقافية…
…………………………
بقلم إبراهيم المعظم عبدالله
حرره في مدينة بوتشي النيجيرية بتاريخ 1 يناير2024م