مركز المستقبل للدراسات والبحوث يعقد ندوة عن التداول السلمي للسلطات
رؤية فلسفية تستشرف النظام السياسي في العراق
تقرير: نبيل نعمه الجابري
لا شكَّ في أنَّ العملَ بمبدأ التداول السلمي للسلطات يشكل مهيمنة وضرورة في البلدان التي تتبنى العمل بمبدأ الديمقراطية والتعددية الحزبية، من أجل الحفاظ على المكتسبات كحق مشروع إسهاماً في بناء الدولة ومؤسساتها، وضرورةً تسهم في تعزيز المشاركة والمساوة بين الأطراف السياسية جميعاً، يعمل على حلِّ وإنهاء الأزمات التي تعصف بين مكونات العمل السياسي في حالِ بُنيت العملية برمتها على التعددية الحزبية واحترام الانتخابات، ونظراً لأهمية هذا المبدأ فقد أقام مركز المستقبل للدراسات والبحوث وبالتعاون مع مؤسسة النبأ للثقافة والأعلام في مدينة كربلاء ندوةً تحت عنوان (التداول السلمي للسلطات.. رؤية فلسفية وسياسية) من أجل الإحاطة والإلمام والتناول العلمي والموضوعي لهذا المفهوم وفق المعطيات الراهنة للعملية السياسية في العراق، بتاريخ الثلاثاء المصادف 26/6/2012م، وبحضور أساتذة ومختصين في مجال العلوم السياسية والقانونية، ومتابعين لقضايا المجتمع المدني.
أستهل الندوة الأستاذ لطيف القصاب بكلمة مركز المستقبل للدراسات والبحوث تناول فيها العملية السياسية محاولاً فيها التعريف بالأسباب التي أدت إلى شيوع ظاهرتي (التناحر والتخوين) في عمل موازين القوى السياسية داخل العراق قديما وحديثاً حينما قال: (أن من أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور التناحر والتخوين كمقياس لعمل القوى السياسية تكمن في عدم وجود آليات قانونية فاعلة تضمن التداول السلمي للسلطات بين جميع الفرقاء السياسيين…).
كما وأستعرض (القصاب) من خلال حديثه العراق سياسياً والأزمات التي مرَّ بها من منظور تأريخي مشخصاً ثلاث حقب تعدُّ هي الأهم من بين ما عاشه العراق، وهي: العد الملكي والعهد الجمهوري منتهياً بمرحلة ما بعد التغيير، حيث قال: (على الرغم من أن البعض يعدُّ فترة العهد الملكي فترةً ذهبيةً في تاريخ العراق السياسي إلا أن خصيصة التآمر هي التي كانت تبعثُ الحياة في الروح السياسية آنذاك، لا نزعة الأيمان في حل الأزمات سلمياً…، كذلك كان الحال في (العهد الجمهوري الذي يمكن اختصاره بالانقلاب والانقلاب المضاد…)، أما في حديثه عن مرحلة ما بعد التغيير فقد وسم (القصاب) مبدأ التداول السلمي للسلطة فيها بالشبحي عندما قال: (أن مفهوم التداول السلمي للسلطة في هذه المرحلة لم يتغير في الوعي السياسي لأنه لا يزال مصطلحاً شبحياً لا يبرز في الأحداث إلا في مواسم الانتخابات…).
بعدها تقدم الأستاذ الدكتور أحمد عبد الأمير خضير الأنباري، التدريسي في جامعة بغداد/ مركز الدراسات الفلسطينية، بكلمةٍ بيّن فيها ماهية مبدأ التداول السلمي للسلطة، والتعريف بالحاجة إليه وبيان أهميته، حيث قال: (هو العملية التي تشير إلى ممارسة السلطة وتوفير متطلباتها، والتي يأتي في مقدمتها تحديد أعلى نسبة في نتائج الانتخابات)، منتقلاً بعدها للحديث عن أهمية الانتخابات في احلال هذا المبدأ قائلاً: (فالانتخابات تسهم في تقديم حلولاً أكثر سلمية للقضايا بالنسبة للأطراف المتنافسة على السلطة، كونها ستحدد الأشخاص الذين سيحكمون، وهوية الحاكمين أو الماسكين بالسلطة، هي أيضا تسهم في إضفاء شرعية على الأداء والقرارات لأنها تمثل الأداة الكاشفة بمن وضِعت الثقة به، وبمن أنابوه رعاية مصالحهم وإدارة تطلعاتهم)، خُلص (الأنباري) في مقدمته عن التداول السلمي للسلطة، إلى أن الانتخابات هي بوصلة تشير إلى من هو مؤهل بالحكم بالنسبة للأطراف الأخرى وفقاً لنتائجها يتم الإقرار من قبل القوى السياسية للفائز بها في أحقيته بالحكم.
بعدها حدد (الأنباري) متطلبات العمل بهذا المبدأ عبر إيراده لمحددات ثلاث، وجودها يعني وجوده لخصها بـ(ـوجود نص دستوري، مع وعي بأهمية هذا المبدأ من قبل القوى السياسية، ورغبة حقيقية للعمل بموجبه)، وبذلك صار الدستور هو الضامن الحقيقي للتداول السلمي على السلطة بعد أن وضح أن هناك ثلاثة مواضع دستورية وجد فيها الإشارة إلى هذا المبدأ، مبيناً (أن الماسكين بالسلطة لا يمتلكون هذا المبدأ وإنما لهم الحقُّ في ممارسته، وأن توالي العمل بهذا المبدأ من قبل كتلة سياسية فائزة بالانتخابات لا يضرُّ به كما يحدث في حال توالي شخص على السلطة)، مفرقاً بذلك بين مبدأ التداول السلمي للسلطة وبين ولاية رئاسة الوزراء.
تداخل الدكتور ضياء عبد الله عبود التدريسي في جامعة كربلاء/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، وطرح مجموعة من الأسئلة بعد مقدمة أستهل فيها الحديث عن أهمية مبدأ التداول السلمي للسلطة ليس في الدستور العراقي فحسب، وانما في الدساتير العالمية أيضا، خصوصاً بالنسبة للدول التي تنتهج الديمقراطية مبدأ في تسيير شؤونها قال: (أن لا مشكلة لدينا في دستورياً مع مبدأ التداول السلمي للسلطة كنص قانوني، المشكلة تكمن في إشكالية العمل بآليات تطبيق هذا المبدأ، شأنه في ذلك شأن الكثير من النصوص الدستورية التي لا زالت لليوم معطلة التطبيق بالرغم من وجودها كنصوص قانونية دستورية)، وختم حديثه بتوجيه أسئلة ثلاث على المحاضر هي: (أيهما نُغلب النص الدستوري، أم الواقع العملي؟، وما هي آليات تفعيل هذا المبدأ على أرض الواقع؟ إذا ما سلمنا أن المشكلة تكمن في التطبيق، وكيف نخلق ثقافة دستورية لدى النخب السياسية على اعتبار أن العمل بهذا المبدأ أيمانا وعقيدة وتطبيقا؟).
تداخل بعدها الدكتور احمد شاكر سلمان عن مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات بكلمة أوضح فيها أن الدستور يجعل من الشعب هو مصدر السلطات، وطالما أنه يمتلك هذه السلطات فأن له الحق في منحها لمن يريد، مبدياً رأيه في أن مبدأ التداول السلمي للسلطة هو فكرة سياسية زُجَّ بها في الدستور، وعلينا دائما الركون للشعب باعتباره المصدر الأول للسلطة.
وفي مداخلة للدكتور (خالد العرداوي) عن مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية اكد على أن الإشكالية ومبدأ تداول السلطات يكمن في العقبات، وتأتي المرجعية الدستورية، والتطبيق الحي له في مقدمتها، ضارباً بالفيدرالية -كمبدأ مقرا دستورياً- مثلاً على عدم الالتزام بالنص الدستوري والتعامل معه انتقائيا وفق متطلبات الحاجة، وقد استفسر (العرداوي) عن كيفية التوفيق بين استبدادية الأكثرية وضمان حدود الأقلية، وهل نحتاج إلى تحديد ولاية رئيس الوزراء؟.
بينما عرّج الاستاذ (أحمد علي عمران) الأستاذ الجامعي في الفكر السياسي على أن التحديات الخارجية لها أثر كبير في زعزعة نظام الحكم حتى أنّها أدت إلى حلحلة مفهوم التداول السلمي للسلطة، وأقترح من أجل تعزيز الإيمان الحضاري والتمسك بهذا المبدأ أن يُصار إلى الاهتمام بخلق الوعي لدى المجتمعات بعدها مصدر أول من مصادر التشريع.
فيما استعلم الأستاذ (أحمد جويد) عن مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث عن مبدأ التداول السلمي للسلطة وعلاقته بمبدأ الفصل بين السلطات، وهل أن التداول ارادة سياسية أم أنه ارادة شعبية؟.
انتهت المداخلات بمداخلة للشيخ (مرتضى معاش) رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، استفهم من خلالها عن العلاقة بين التداول السلمي للسلطة والشرعية بشكل عام.
ذهب بعدها الأستاذ الدكتور أحمد عبد الأمير خضير الأنباري إلى الإجابة عن الأسئلة، بعد أن أكد التداول السلمي للسلطة هو من أهم ركائز الديمقراطية، وأن من فوائده هو تكريس التجارب السياسية من خلال البرامج المختلفة للقوى السياسية، فيما يخص تحديد مدة ولاية رئيس الوزراء فأنه كان مع تحديد الولاية بعمر زمني، لكنه لم يحدد مدة هذه الولاية، وفيما يخص سلطة الشعب، أجاب (الأنباري) أن الشعب مصدر السلطات وحينما يُدلي بصوته بالانتخابات فأنه قد فوّضَ سلطاته إلى الجهة التي أولاها صوته، وبذلك تنتهي سلطته الأولى التي منحها له الدستور، فيما بخص مبدأ الفصل بين السلطات، فأنه يعزز من هذا المبدأ خصوصا إذا كانت قراءاتها مستقلة.
التوصيات:
انتهت الندوة بالاتفاق على مجموعة من التوصيات لُخصت بالاتي:
1- أن المطلوب للخلاص من الأزمات السياسية الحالية هو الاتفاق على عقد وطني ملزم يقتضي إتاحة الفرص لتولي القيادات السياسية والإدارية في العراق لجميع المؤهلين بغض النظر عن الانتماءات السياسية والعرقية والدينية.
2- تحديد ولاية رئاسة الوزراء، بعمر زمني هو اقتراح الباحث، لكنه لم يُحدد عمراً زمنياً لهذه الولاية، واكتفى بإحالة الأمر للتشريع الدستوري..
3- أن يكون مبدأ التداول السلمي للسلطة شاملاً لجميع أعضاء الهيئة السياسية الحاكمة ابتداء من دولة رئيس الوزراء فصاعداً.
4- تحويل مبدأ التداول السلمي للسلطة إلى ثقافة عامة تعيش بالمجتمع وإدخاله كقيمة مطلقة في حياته اليومية من أجل أن يكون حركة ثورية مستدامة تؤثر في الحياة العامة.
5- وجوب التداول السلمي للسلطة في الأشخاص وليس في الكتل، باعتبار أن ذلك حق دستوري مكفول بنصوصه، برغم اعتراض البعض من المتداخلين على أن العمل بهذه التوصية سيؤدي إلى نشوء دكتاتورية الأغلبية.
6- ضرورة اعادة النظر بالقانون الانتخابي، والعمل على تعديل بعض الجوانب التي تكفل أن يكون لكل مواطن صوت انتخابي يمنحه لشخص معين، من أجل تدعيم اختيار الناخبين على ترشيح الكتل.
7- حصر مفهوم التداول السلمي للسلطة في نطاق الكتلة الواحدة بشرط أن تكون هذه الكتلة مؤسسة على الاغلبية السياسية لا العرقية أو الطائفية.