تجنب الغضب وعمارة الآخرة والارتباط بأهل البيت
قال سماحة المرجع الديني اية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله: “اعلموا أن الغضب هو منشأ الكثير من الجرائم الكبيرة كالقتل والانتحار، وأن السيطرة على الغضب تجعل المرء في مأمن من كثير من الجرائم والموبقات، كما اشار الى وجوب سعي المؤمنين الى عمارة آخرتهم من خلال عمل الخير لأن ذلك سوف يكون من موجبات رحمة الله وشفاعة رسوله الكريم والائمة الاطهار عبر الاقتداء بسيرة اهل البيت عليهم السلام من اجل تبني مشاريع الخير والارتباط الوثيق بالائمة الاطهار.
هذا ماجاءت به ارشادات وتوصيات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، عندما زاره في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة وفود من مختلف دول العالم واستمعوا إلى إرشادات سماحته القيّمة
الغضب أساس الكثير من الجرائم والموبقات
عن مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه قَالَ: «سَمِعْتُ أَبِي سلام الله عليه يَقُولُ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله رَجُلٌ بَدَوِيٌّ فَقَالَ: إِنِّي أَسْكُنُ الْبَادِيَةَ فَعَلِّمْنِي جَوَامِعَ الْكَلامِ. فَقَالَ: آمُرُكَ أَنْ لا تَغْضَبَ. فَأَعَادَ عَلَيْهِ الأعْرَابِيُّ الْمَسْأَلَةَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى رَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: لا أَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَ هَذَا، مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إلاّ بِالْخَيْرِ.
قَالَ سلام الله عليه: وَكَانَ أَبِي يَقُولُ: أَيُّ شَيْءٍ أَشَدُّ مِنَ الْغَضَبِ؟ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبُ فَيَقْتُلُ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ وَيَقْذِفُ الْمُحْصَنَةَ».
وعقّب سماحته على الرواية الشريفة قائلاً: اعلموا أن الغضب هو منشأ الكثير من الجرائم الكبيرة كالقتل والانتحار، وأن السيطرة على الغضب تجعل المرء في مأمن من كثير من الجرائم والموبقات، فيجدر بالإنسان، سواء كان رجلاً أو امرأة، ومهما كان عمله ومقامه، وفي أي عمر كان، أن يعزم على العمل بما ورد في الحديث الشريف الذي ذُكر آنفاً.
وأكّد دام ظله: إذا غضب أحدكم فيلتذكر وصية مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وليستغفر ربّه وليعزم مرة أخرى على عدم الغضب، وإذا تكرّر ذلك حتى مئة مرة فليفعل الشيء نفسه أي يعزم على اجتناب الغضب. فهذا أفضل بكثير من أن يترك المرء العنان لنفسه لتغضب دوماً.
إن الله تبارك وتعالى قد أودع في الإنسان قوة السيطرة أو التغلب على الغضب، فيكفي المرء أن يصمم على السيطرة على غضبه وذلك بالتوكّل على الله وطلب الاستعانة منه عزّ وجلّ، والتوسّل إليه تعالى بأهل البيت الأطهار سلام الله عليهم كي يوفّقه في تصميمه.
ليسعَ المؤمنون إلى عمارة آخرتهم
وفي حديثه حول ضرورة العمل من اجل الآخرة قال سماحة المرجع الشيرازي دام ظلّه: من يعمل لآخرته في دنياه سيكون يوم القيامة من السعداء والفائزين.
وقال سماحته أيضاً: قبل سنين صمّم عدد من التجّار على بناء حسينية من أموالهم الخاصة وجعلها وقفاً لمولانا الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه. وفي المدة التي كانوا يجمعون فيها الأموال ذهبوا إلى أحد أصدقائهم من التجّار واقترحوا عليه المشاركة في هذا العمل الخيّر، فاستجاب لهم ووضع أمامهم صكّاً وقال لهم اكتبوا فيه أيّ مبلغ تريدون. فتعجّبوا من هذا التعامل وقالوا له: بما أنك ستسدد مبلغ الصك فمن الأفضل أن تكتب أنت مقداره.
لكنه أصرّ عليهم أن يكتبوا هم مقداره. فتحيّر التجّار وتساءلوا فيما بينهم نخشى أن نكتب مبلغاً كبيراً لا يستطيع تسديده أو يكون المبلغ قليلاً فنندم على عدم طلب مبلغ أكبر، لكنهم بالنتيجة اتفقوا فيما بينهم على مبلغ معيّن وكتبوه في الصك، وأعطوه لصديقهم كي يمضيه ويختمه.
الملفت هنا أن هذا التاجر كان يضع نظارة عند الكتابة والقراءة ولكن عندما أراد قراءة مقدار المبلغ المذكور في الصك لم يضع نظارته وأمضاه. وعندما سألوه عن سبب ذلك قال: لا أحبّ أن أنظر من خلال نظارتي إلى ما اُقدّمه للإمام الحسين صلوات الله عليه.
بعد مدّة تم بناء الحسينية وحضرت أنا فيها لأداء الصلاة. وبعد أن توفي ذلك الرجل رأى أحد أرحامه في عالم الرؤيا أن مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه كان يوصي الملائكة بأن لا يدقّقوا في صحيفة أعمال ذلك التاجر، وأن يتسامحوا معه في الحساب.
وعقّب سماحته: يقول القرآن الحكيم: «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب» وهذه القصة درس وعبرة لنا جميعاً. فمن يجعل دنياه وعمره ولسانه ووجهاته واعتباره وكرامته وقفاً لآخرته يكن يوم القيامة من الفائزين. ومن لا يهتم لآخرته ولا ينفق ما ينفعه في يوم الحساب فسيخاف الموت والآخرة دوماً.
قال مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ مَا لَنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ؟ فَقَالَ: لأنَّكُمْ عَمَرْتُمُ الدُّنْيَا وَأَخْرَبْتُمُ الآخِرَةَ، فَتَكْرَهُونَ أَنْ تُنْقَلُوا مِنْ عُمْرَانٍ إِلَى خَرَابٍ».
وأكّد دام ظله: يجدر بالمؤمنين جميعاً أن يكونوا دوماً من الساعين إلى عمارة آخرتهم وذلك بقول وعمل ما يرضي الله سبحانه وتعالى.
مصداقاً لـلقول (منّا أهل البيت)
وقال سماحته دام ظله، في كلمته القيّمة التي ألقاها بجمع من الزوّار العراقيين من مدينة النجف الأشرف على مشرّفها صلوات الله وسلامه:
ذكر المرحوم العلاّمة الأميني في كتابه القيّم (الغدير): أن أبا الحسن جمال الدين علي بن عبد العزيز بن أبي محمد الخلعي (الخليعي) الموصلي الحلّي، كان شاعر أهل البيت عليهم السلام المفلق، نظم فيهم فأكثر، ومدحهم فأبلغ، ومجموع شعره الموجود ليس فيه إلاّ مدحهم ورثاؤهم، كان فاضلاً مشاركاً في الفنون قويّ العارضة، رقيق الشعر سهله، وقد سكن الحلّة إلى أن مات في حدود سنة 750 ودفن بها وله هناك قبر معروف.
ولد من أبوين ناصبيين وقد نذرت أمّه أنها إن رزقت ولداً تبعثه لقطع طريق السابلة من زوّار الإمام السبط الحسين عليه السلام وقتلهم، فلما ولدته وبلغ أشدّه ابتعثته إلى جهة نذرها، فلما بلغ إلى نواحي (المسيب) بمقربة من كربلاء المشرفة طفق ينتظر قدوم الزائرين، فاستولى عليه النوم واجتازت عليه القوافل، فأصابه القتام الثائر ـ أي الغبار ـ فرأى فيما يراه النائم إن القيامة قد قامت وقد أُمر به إلى النار ولكنها لم تمسه لما عليه من ذلك العثير الطاهر، فانتبه مرتدعاً عن نيّته السيئة، واعتنق ولاء العترة، وهبط الحائر الشريف ردحاً. ويقال : إنه نظم عندئذ بيتين هما:
إذا شئت النجاة فزر حسيناً لكي تلقى الإله قرير عين
فإن النار ليس تمس جسماً عليه غبار زوّار الحســـين
ولقد أخلص في الولاء حتى حظي بعنايات خاصة من ناحية أهل البيت عليهم السلام. ففي كتاب (دار السلام) للعلاّمة النوري عن كتاب (الحبل المتين في معجزات أمير المؤمنين) للسيد شمس الدين محمد الرضوي : إن الخليعي لما دخل الحرم الحسيني المقدس أنشأ قصيدة في الحسين عليه السلام وتلاها عليه وفي أثنائها وقع عليه ستار من الباب الشريف فسمي بالخليعي أو الخلعي، وهو يتخلص بهما في شعره. وفي (دار السلام) عن (الحبل المتين) المذكور عن المولى محمد الجيلاني أنه جرت مفاخرة بين الخليعي وبين ابن حماد الشاعر، وحسب كلٌّ أن مديحه لأمير المؤمنين عليه السلام أحسن من مديح الآخر، فنظّم كلٌّ قصيدة وألقياها في الضريح العلوي المقدس محكّمين الإمام عليه السلام، فخرجت قصيدة الخليعي مكتوباً عليها بماء الذهب: أحسنت. وعلى قصيدة ابن حماد مثله بماء الفضة. فتأثّر ابن حماد وخاطب أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: أنا محبّك القديم، وهذا حديث العهد بولائك، ثم رأى أمير المؤمنين عليه السلام في المنام وهو يقول له: إنك منّا، وإنه ـ أي الخليعي ـ حديث عهد بأمرنا، فمن اللازم رعايته.
وعقّب سماحته: إن كلمة (منّا) الواردة في كلام مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه أثمن وأغلى من جبال الذهب، فجدير بالمؤمنين وخصوصاً الذين هم بجوار المراقد الطاهرة للأئمة الهداة الأطهار صلوات الله عليهم أن يسعوا إلى عمل ما يجعلهم من مصاديق هذه الكلمة الثمينة.
وأضاف سماحته: إني أهنئ المؤمنين الذين ينعمون بجوار المراقد الشريفة والعظيمة لمولانا الإمام أمير المؤمنين ومولانا الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس ومولانا الإمام الكاظم والإمام الجواد وباقي الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم، وأوصيهم بالاستفادة من هذه النعمة العظيمة وذلك بأن يرتبطوا بالأئمة الطاهرين ارتباطاً قلبياً وعملياً في العقيدة والأخلاق والسلوك وفي كل شيء. فلقد كان حول مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وحول مولانا الإمام أمير المؤمنين وباقي الأئمة الميامين سلام الله عليهم رجال كثيرون، فقسم منهم استفاد من نعمة صحبته للمعصوم، وبعض استفاد قليلاً، وبعض لم يستفد.
وأكّد دام ظله: إن الجيل السابق قد سلّم إليكم أمانة الولاية لأهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، فحاولوا أن تسلّموا هذه الأمانة إلى الجيل الصاعد وخصوصاً الشباب وبالأخص المنعّمون بجوار أهل البيت الأطهار سلام الله عليهم، فلا تدعوا حتى واحداً منهم يفلت منكم، ولا تدعوهم يقعوا في شباك الظالمين من الملحدين والأحزاب الفاسدة وأصحاب الأفكار الدخيلة، كما في وصية مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه: «عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير».