إسهاماً منها في تنوير الرأي العام العالمي وتثبيت أصالة ومبادئ وقيم الإسلام السمحاء، وكونه رسالة إنسانية تدعو للإخاء والتعايش والسلم، وتزامناً مع الذكرى السنوية الأولى لأحداث 11 أيلول سبتمبر، عقدت مؤسسة الإمام الشيرازي العالمية ندوتها الأكاديمية السنوية الأولى يوم 14 أيلول سبتمبر الماضي في قاعة JHONSON CENTER بجامعة جورج ميسون في العاصمة الأمريكية واشنطن، وكانت الندوة تحت شعار (الإسلام وتحديات العنف).
الجلسة الافتتاحية للندوة والتي استمرت أربع ساعات متتالية، ابتدأت بتلاوة من آيات الذكر المجيد، ارتقى بعدها المنصة مدير الندوة السيد عبد الوهاب الكبسي، رئيس قسم حوار الحضارات في دراسات الإسلام والديمقراطية في واشنطن، وقدم كلمة موجزة حول أهداف وبرنامج الندوة، شاكراً الحاضرين مشاركتهم في الندوة، ثم قدم سماحة الشيخ فلاح محمد العطار عن مؤسسة الإمام الشيرازي العالمية، الذي تحدث باختصار عن المؤسسة والأهداف التي تبغي تحقيقها على النطاق العالمي، مشيداً بدور مؤسسها سماحة العلامة آية الله السيد مرتضى الشيرازي (حفظه الله) نجل المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، حيث عرف شخصيته للحضور الكريم كأحد علماء الدين المعاصرين والمهتمين بقضايا الأمة الاستراتيجية والمشاريع الحضارية ذات النفع العلمي والاجتماعي.
بعد ذلك بدأ عدد من الشخصيات والأساتذة المشاركين في الندوة بإلقاء بحوثهم، وكان البحث الأول للبروفيسور الدكتور رضي المبيوق من السعودية، والمتخصص في تدريس علم النفس في الجامعة الأمريكية، تحدث فيه عن سيكولوجية العنف والمحاولات التي يبذلها من يمارس العنف لتبرير أفعاله أولاً بأي شكل من الأشكال، مشيراً إلى معنى العنف ودوافعه ونتائجه السيئة داعياً إلى تبني نموذج جديد يربي الإنسان على قيم العفو والصفح والسلام والمحبة، وكيفية الرد الأمثل على العنف وتحدياته.
تحدث بعد ذلك سماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي (حفظه الله) وقد تطرق في بحثه إلى أنواع العنف ومصاديقه وموقف الإسلام منها، مؤكداً على أن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) لم يمارسوا العنف ولا مرة واحدة، طوال حياتهم الشريفة من خلال عرضه للأحاديث والروايات المعتبرة المنقولة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) داعياً في ختام بحثه إلى إشاعة روح الأخوة والتشاور وقيم التعاون والحرية وتوعية الناس كأفضل رد على تحديات العنف.
ثم ألقى البروفسور الدكتور لويس كنتوري أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميريلاند الأمريكية بحثاً قيماً ميّز فيه بين الجهاد كنوع من أنواع الدفاع عن الحق والمقاومة ضد الباطل، وبين العنف الذي لا يستند على القيم والمثل العليا للأخلاق، معللاً إلى أن العنف إنما هو نتيجة جهل الناس للقيمة الحضارية وصيغ التعايش السلمي، ومن هنا جاء هذا السلوك الخاطئ والفظيع.
وفي بحث مماثل للبروفسور كلوفيس مقصود الأستاذ في الجامعة الأمريكية بواشنطن والسفير الأسبق لجامعة الدول العربية في هيئة الأمم المتحدة، أشار مقصود أن العنف هو غير المقاومة المشروعة التي أجازتها كل الشرائع السماوية والدساتير الأرضية، مديناً الانحياز المتعمد للصحافة في تغطيتها لأحداث الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بشكل عام.
أما الفقرة الأخيرة في برنامج الندوة فكانت للعلامة السيد مصطفى القزويني، إمام مركز التعليم الإسلام في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وضمنها بحثاً بعنوان (هل أن الدين يشجع على العنف)، وفيه قدم الأدلة النقلية التي تثبت أن الدين – أياً كان – وخاصة الدين الإسلامي يرفض العنف ولا يقره أبداً في جميع أشكاله، وقد استشهد بعدد من الآيات القرآنية المباركة، وكذلك بنصوص من الإنجيل، تدين العنف وتدعو إلى التسامح والعفو والصفح، مشيراً إلى أن من يقصد في انتزاع المفهوم القرآني الصحيح للآيات التي تتحدث عن القتال والجهاد والقوة، وظروف نزولها وأسبابها، فإنه سيقع بكل تأكيد في خطأ التفسير والتأويل والفهم، وهذه هي مشكلة القرآن الكريم مع مفسريه، بل ومع أنصاف المفسرين والباحثين وكل المغرضين الذين يحاولون توظيف آيات القرآن الكريم لخدمة النظريات والتوجهات المغرضة والمشبوهة.
وقبل ختام الندوة جرت بعض المداخلات والأسئلة والأجوبة في جو مفتوح وحر للمشاركين. ومما يشار إليه هنا أن معرضاً خاصاً للكتاب الإسلامي أقيم تزامناً مع انعقاد الندوة، وقد احتلت كتب ومؤلفات المرجع الراحل الإمام الشيرازي (قدس سره) الكثيرة، وفي مقدمتها موسوعة الفقه العملاقة التي تضم أكثر من 130 مجلداً لمختلف العلوم، احتلت مكاناً مميزاً وواسعاً من أقسام المعرض، وإلى جانب تلك عرضت كذلك بعض مؤلفات المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) وقد نالت إعجاب الحضور.