أصدرت مؤسسة الإمام الشيرازي العالمية بياناً بمناسبة حلول شهر محرم الحرام بينت فيه ان ذكرى عاشورا هي منطلق مناسب لتصحيح الأفكار، وتقويم السلوك الإنساني، وتوجيه الرأي العام، نحو قيم السلام واللاعنف الاجتماعي، ومناسبة عالمية للقيام بالإعمال الإنسانية كتوثيق العلاقات الإنسانية بين جميع محبي السلام العالمي، والدعوة إلى احترام دعاة حقوق الإنسان، وإغاثة المشردين والمنكوبين، والترغيب لرعاية العجزة والأيتا،وفيما يلي نص البيان:
في العاشر من محرم الحرام، منذ ألف وثلاثمائة عام ونيف، في مدينة كربلاء في العراق، استشهد الإمام الحسين بن علي ابن أبي طالب “عليهما السلام” في واقعة، ذكرها المؤرخون بواقعة ألطف، إلا أن واقعة ألطف لم تكن من المعارك التاريخية التي تنتهي -عادة – بانتصار أحد الجيشين وهزيمة الآخر، إنما هي الواقعة الوحيدة التي توارثها الناس أبا عن جد، وتعارفوا على إحيائها في كل عام من شهر محرم الحرام، حتى أن ذكرى الحسين بن علي تتجدد كل عام، بل كل شهر، لا بل كل يوم، لما تتركه ذكرى هذه المعركة من آثار نفسية واجتماعية وسياسية على القائمين بإحيائها.
فيا ترى ما هو سر التأثير السحري الذي ترسمه معركة في الوجدان الإنساني، مثل معركة العاشر من محرم الحرام؟.
إن قيمة العمل في المنظور الإنساني والأخلاقي، إنما تأتي من رفعة وشرف حملته، فبمقدار الشأن الاجتماعي الذي يتمتع به القادة، تكون للعمل الإنساني قيمة ورفعة، هذا أولا، ثم نبالة الهدف المنشود وإنسانيته ثانيا. وواقعة عاشورا تحمل في طياتها هذين المعنيين بوضوح تام لا لبس فيه. فأحد أطراف هذه الواقعة، كان الحسين”عليه السلام” وعائلته وأصحابه، وهو ابن علي ابن أبي طالب (عليه السلام، وابن البتول فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، بنت الرسول الأعظم محمد بن أبي عبد الله (صلى الله عليه و اله و سلم).
وإما الأهداف التي من اجلها قامت هذه المعركة، فهي طلب الإصلاح في الأمة، ونشر العدل الاجتماعي، ومحاربة الفساد السلطوي، وإعادة المال العام إلى أهله، وسيادة مجتمع الصالحين.
هذه الأهداف الإصلاحية الإنسانية، حددها الإمام في خطبه وأحاديثه قبيل المعركة وأثنائها لتكون حجة على الحاضرين والغائبين، في تغيير الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي في المجتمع، كلما تعرضت قيمه ومبادئه إلى تهميش والمحو والضياع. فهو يقول عليه السلام:
” ألا واني لم اخرج أشرا ولا بطرا، ولا ظالما ولا مفسدا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي، أريد أن أمر بالمعروف وانهي عن المنكر”.
” ألا وأن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستثاروا بالفيء، واحلوا حرام الله، وحرموا حلاله”.
” إلا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه”.
نهضة الحسين( عليه السلام) لإصلاح ما فسد من أمور المسلمين على الصعيد السياسي والاقتصادي والعقائدي والاجتماعي، مثل تبديل نظام الحكم من نظام شوروي إلى ملكي وراثي، والسطو العمد على المال العام، والتوجه الحربي للحكومة، يوم ذاك، هي القيم والمبادئ التي دعت الأجيال البشرية المتعاقبة، تعمد إلى أحياء ذكرى ألطف، واستذكار الواقعة لأجل العبرة والعظة والصلاح.
ولم تقتصر فكرة إحياء مناسبة عاشوراء، على مرسوم واحد، أو تقليد واحد، إنما تقام مراسيم مختلفة، وفعاليات متنوعة، كقراءة القرآن الكريم، وحكاية قصة الحسين( عليه السلام) وإلقاء الخطب والمواعظ الدينية، والإنفاق على الفقراء والمساكين، وتوزيع النذور من طعام وماء وهدايا، واللطم على الصدور، وجلد الظهور بسلاسل الحديد، والخروج بمواكب شعبية بلباس اسود تعبيرا عن الحزن لاستشهاد الإمام، مرددين شعارات الإصلاح والخير، لإحياء نهج الحسين”ع” الرافض للظلم والانحراف والطغيان.
كل ذلك من اجل أن يحصل المشاركون في العزاء على رضى الله، وكسب ثواب أعمالهم، وتأكيد الولاء للإمام وأهل بيته “عليهم السلام” وإثبات فيما لو كانوا في زمان الإمام( عليه السلام)، لكانوا مع الحق والعدل لا مع الباطل والظلم، فكل من يقوم بالإعمال الحسينية في عاشورا، يكون مواليا من موال الإمام الحسين”ع” ومن مؤيدي نهجه، والسائرين على دربه.
إذن، ذكرى عاشورا هي منطلق مناسب لتصحيح الأفكار، وتقويم السلوك الإنساني، وتوجيه الرأي العام، نحو قيم السلام واللاعنف الاجتماعي، ومناسبة عالمية للقيام بالإعمال الإنسانية كتوثيق العلاقات الإنسانية بين جميع محبي السلام العالمي، والدعوة إلى احترام دعاة حقوق الإنسان، وإغاثة المشردين والمنكوبين، والترغيب لرعاية العجزة والأيتام.
إن حادثة عاشوراء بما تضمنته من معاني سامية، وممارسات حية تعبر عن تطلعات القائمين عليها في حياة حرة كريمة، هي أيضا مناسبة طيبة لوسائل الإعلام الفضائية والتلفزيونية والراديو والصحف والمجلات والانترنيت، لان تشجع في الناس نهج الإصلاح الحسيني، وتعكس البعد الإنساني لرجل أبى إلا أن يضحي بنفسه وأهله وصحبه، وأن لا يقر إقرار العبيد، وأن لا يضع يده بيد الفساد والطغيان. وهي مناسبة لإظهار التعاون بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، وإحياء مفاهيم التكافل الاجتماعي، من حيث التنافس لتقديم الخدمات، والتسابق في أعمال الخير.
ونحن في هذه المناسبة الجليلة نحث المجتمع الدولي ومؤسسات المجتمع المدني إلى:
– إقامة مجتمع إنساني متحرر من كل أشكال العبودية والتبعية والتخلف والانحراف.
– استثمار الأيام العشرة الأوائل من عاشورا من كل عام في مؤتمرات جماهيرية لتدارس أوضاع الأمة الإسلامية، ووضع الحلول لمشاكلها.
– إنشاء صناديق الدعم الخيرية تحت عنوان “صناديق الحسين” لدعم الفقراء والمساكين والمشردين.
-عدم استخدام سياسة الحصار ضد الشعوب والأمم بمختلف أشكاله السياسية والاقتصادية والحربية؛ لان في مثل هذه الأعمال قتل بطئ للبشرية المحرم قتلها.
– السعي الدائم لتحقيق السلام العالمي بما يساعد الشعوب والأمم على تجنب الحروب والتفرغ لعمليات البناء والتنمية.
– المساهمة في محاربة الجريمة عبر التخويف من عواقبها، والعمل على هداية الناس إلى ممارسة العمل الصالح.
– التنويه للأفكار الهدامة المؤثرة سلبا على سلوك الإنسان السوي، وعلى الأخلاق العامة.
– مواجهة الأفكار المتطرفة التي تقود الشباب نحو العنف والإرهاب.
– تحقيق الإصلاح في العالم الإسلامي استمدادا من نهج الإمام الحسين بن علي(عليه السلام).
مؤسسة الإمام الشيرازي العالمية
الولايات المتحدة الأمريكية
واشنطن
السيد مرتضى الشيرازي