شهدت أفغانستان مؤخراً، للأسف، تصاعداً لوتيرة العنف الدموي الذي ذهب ضحيته العشرات من المدنيين الأبرياء في مختلف المناطق.
إنّ التدهور الأمنيّ الخطير يدعونا للقلق خشية انزلاق البلاد نحو ما لا تحمد عقباه كما حذرنا في بياننا الأخير في أعقاب المجزرة التي استهدفت قرية “سيوك شيبر”الأفغانية الشيعية؛ إذ يبدو أنّ دوّامة العنف آخذة بالتوسّع لتستهدف مختلف المكوّنات العرقية والمذهبية بعداستهداف عدد من المساجد في المناطق السنية، فضلاً عن البعثات الدبلوماسية هناك.
بالتزامن مع تلك الأحداث المؤسفة، لم تشهد أوضاع المرأة الأفغانية أيّ تحسّنٍ في ظلّ حكومة طالبان، بل تشير التقارير الدولية إلى زيادة منسوب العنف ضدها ناهيك عن حرمانها من كثير من مكتسباتها التي حققتها خلال العقدين الماضيين في مجال التعليم والعمل والصحة والقانون، فضلاً عن الأزمات المعيشية والاقتصادية التي لا تستثني أحداً من آثارها الكارثية.
إن تجارب الماضي في أفغانستان، أثبتت فشل سياسات الإلغاء العرقي والتطهير الطائفي واللجوء للعنف في فرض الإرادة السياسية؛ إذ إنها جرّت البلاد للخراب والدمار وهجّرت الملايين من أبناء الوطن، الأمر الذي يفرض على كافة مكونات الشعب الأفغاني التعالي على الأحقاد وتحكيم لغة الحوار وتعزيز التعايش السلمي وإعلاء المصلحة الوطنية العليا واحترام حقوق الإنسان.
لا شكّ أنّ الجزء الأكبر من مسؤولية تحقيق الأمن والازدهار في أفغانستان، يقع على سلطات طالبان باعتبارها السلطة الحاكمة بحكم الأمر الواقع، ما يفرض عليها بالدرجة الأولى تبني عقلية “الدولة” التي تتعامل مع أبنائها بروح أبوية متسامحة، وذلك بالمبادرة في أسرع وقت ممكن لتشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة تستوعب كافة مكونات الشعب الأفغاني وتضمن حقوق الجميع لا سيما المرأة والأقليات، فضلاً عن التزامها الجادّ بمكافحة الإرهاب بمختلف أشكاله ومدّ جسور الصداقة والأخوّة مع المحيط الإقليمي والدولي على أساس احترام المصالحالمشتركة ورفض التدخل في الشؤون الداخلية لأنّ ظروف البلاد لا تحتمل أي تأخيرٍ في إطلاق ذلك المسار، وإلا ستكون البلاد عرضةً للدمار وتكرار مآسي حروب الأخوة ومراراتها التي لم تمح بعد من الذاكرة الأفغانية.
على المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤوليته تجاه أفغانستان من خلال مضاعفة الجهود والمساعي للعمل بكافة الوسائل السياسية و الدبلوماسية و الاقتصادية على دفع سلطة طالبان للانخراط في مسار تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة تضمن حقوق الجميع لا سيما المرأة و الأقليات، كما أن المجتمع الدولي مطالَب باستمرار الدعم الإنساني للشعب الأفغاني والتخفيف من الأزمة المعيشية و الاقتصادية و الماليةالتي يعانيها.
إننا إذ نعرب عن تضامننا ووقوفنا إلى جانب الشعب الأفغاني في هذه الظروف الصعبة، ندعو كافة الدول والجهات الرسمية والمنظمات الإنسانية والأهلية لمؤازرته لبلورة حلول سلمية تساعده في تجاوز التحديات التي تواجهه، كما نحذّر المجتمع الدولي من تجاهل الوضع الأفغاني لما له تأثير على الأمن والسلام العالميين.
والله من وراء القصد