اقام مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث حلقته النقاشية الشهرية يوم الأحد (16/11/2014) بعنوان ” الحوزة العلمية والجامعة.. التواصل والتكامل ” وعلى قاعة جمعية المودة والازدهار.
قدم للندوة معاون مدير المركز محمد الصافي مرحبا بالباحثين والحضور المشاركين في الحلقة النقاشية. مشيرا الى ان هناك نوعا من القطيعة بين الحوزة والجامعة، رغم بعض الجهود المبذولة للتواصل، الا انها جهود غير ناجزة وتحتاج الى المزيد، لتجسير وردم الهوة بين الحوزة والجامعة.
طرحت في الحلقة النقاشية ورقتان بحثيتان حول محاور الموضوع. كانت الأولى للدكتور حميد الغرابي من جامعة العلوم الإسلامية في كربلاء بعنوان (المنهج التكاملي بين الحوزات العلمية والجامعات الاكاديمية). استعرض فيها تاريخ إنشاء الجامعات العلمية، ورأى ان أصل نشوئها هو ديني من خلال (الكنائس) وتحولت بعد ذلك الى جامعات مدنية بعد حصول التطورات السياسية والاجتماعية في الكثير من البلدان الاوربية.. وأضاف الغرابي إن الساحة العلمية شهدت تنوعا في العلوم وسرعة في الحصول على المعلومة وتخصصا في أصول المعرفة ومن اجل مواكبة هذه التقنيات كان لابد من توافق جهود المؤسسات العلمية والمعرفية لإدراك الهدف المنشود. وهذا الهدف هو الجامعات والمعاهد والحوزات العلمية ورجال الدين. وأوضح الغرابي معنى الحوزة في اللغة والفكر الإسلامي وانتقل إلى توضيح وتعريف معنى النهج والمنهج، وقارن بين المؤسستين الحوزوية والجامعية في المناهج وطرق الانتساب والالتزام ومستقبل الطالب العلمي والعملي والمهني.
ويرى الدكتور الغرابي إن التعليم الجامعي بحاجة الى استراتيجيات وخطط لغرض الرقي بالمستوى التعليمي الجامعي، وهذه مهمة الجميع لاسيما الكليات ذات الشأن الديني والإسلامي والتي تتوافق مع التعليم الحوزوي، ولابد من دراسة تجارب الآخرين ووضع خطط قبول قائمة على الرغبة والمستوى العلمي وإتقان حفظ القرآن الكريم ومعرفة عدد من اللغات العالمية كما هو حاصل في جامعة الأزهر في مصر وجامعة القرويين في المغرب.
من جهته قسم الدكتور صبحي العادلي من جامعة كربلاء في ورقته البحثية الموسومة (الحوزة والجامعة..التواصل والتكامل) العلوم على أساس مصادرها إلى علوم إنسانية وعلوم صرفة (حسب تقسيم وزارة التعليم العالي) ورأى ان هذا التقسيم فيه الكثير من الاشكالات، ورأى ان الصواب ان تقسم الى علوم إنسانية وعلوم الهية لان مصدر هذه العلوم هو الوحي الالهي. ويرى الدكتور العادلي ان الدراسة الحوزوية في مجال العلوم الإنسانية هي أكثر دقه وشمولية وعمقا من الدراسة الجامعية.
واقترح العادلي تأسيس مؤسسة تضم نخبة من الحوزويين او ممن لهم علم ومعرفه بالدراسة الحوزوية ونخبة من المتخصصين في الجامعات لتقديم دراسات وبرامج للتواصل والتكامل بين الحوزة والجامعة.
بعد الانتهاء من الورقتين طرح حيدر الجراح مدير المركز مجموعة من الافكار التي تطرق اليها المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي في كتبه حول الحوزة ومشاكلها وماينبغي ان تكون عليه.
فهو (قدس سره) يرى الحوزة هي عصب الدين، وهي التي تقود المسلمين إلى شاطئ الأمن والسلام، فاللازم على هذه المؤسسة أن تقود الناس إلى ما يسعدهم في دنياهم وآخرتهم.
وفي مقدمة كتابه (دور الحوزات العلمية في بناء المجتمع) يتحدث عن مسؤولية المسلم والتي لاتنحصر في حدود مدينة أو إقليم معين، بل أينما يكون فإنه مكلف بحدود ذلك المكان أيضاً.
ومن ضمن تلك المسؤوليات، ان ترتقي الحوزات الى مستوى التحدي الحضاري الذي يواجهها من الجهة الكمية والكيفية معاً، فنجعل عدد طلاب العلوم الدينية فيها مثلاً يتصاعد من عشرين ألفاً إلى مائة ألف طالب بل أكثر من ذلك، وذلك لأن الدنيا في الواقع دنيا الأسباب والمسببات لا دنيا العبث والصدفة، هكذا خلقها الله سبحانه، ومن هذه الناحية ينبغي علينا فعلاً أن نشعر بالقصور والتقصير الذي يلفنا بعباءته الثقيلة.
وفي هذا الكتاب ايضا، يشير الى قلة وضعف عطاء الحوزات لقلة عدد الطلاب والمراجع. ويرى الامام الشيرازي وجوب ان تكون مؤسسة الحوزة مستوعبة لكل العلوم لا خصوص الفقه والأصول أو العبادات والمعاملات والحديث والأخلاق والتفسير، بمعنى أنْ تكون مستوعبة لأصول كل ما يحتاجه الإنسان في دينه ودنياه.
وحول العلاقة بين الحوزة والسياسية يرى ضرورة تدريس علوم الدولة المرتبطة بإدارة المجتمع، وهي علوم السياسة والاقتصاد والاجتماع. ويقول حول هذا الموضوع: ربما اعترض البعض قائلاً: لا تُدخلوا السياسة إلى الحوزة.
ويجيب هؤلاء المعترضين بقوله: أنّ السياسة موجودة في الحوزة سواء شئنا أم أبينا، فالدروس الفقهية متضمنة للسياسة، فـ(القضاء والمكاسب والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) موضوعات سياسية. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنّ كيفية تناول الحوزة للموضوعات السياسية ستكون خاضعة لأشراف شورى الفقهاء، فمن مسؤولية الفقهاء أنْ يحددوا مقدار التعاطي السياسي للحوزة العلمية.
أمّا نفور العلماء من السياسة ورفضهم للممارسة السياسية فهو متأتٍ نتيجة ظروف الاستعمار، فقد فرضت هذه الظروف سيادة المستعمر الكافر على البلاد الإسلامية وتحكِّمه بمقاليد الأمور، مما جعل العلماء ينفرون من السلطة ومن أي شيء يتعلق بالسلطة والسياسة، لكن ليس من الصحيح تعميم فكرة السياسة من هذا الإرث التاريخي المتعلق بالاستعمار؛ إذ إن الإشكال في الصغرى وليس في الكبرى حسب الاصطلاح المنطقي.
وحول اخطر مسؤولية للحوزة، يرى الامام الشيرازي، ان الحوزة تتحمل قبل أية مؤسسة دينية أخرى مسؤولية النهي عن المنكر، فالنهي عن المنكر فرض على كل مسلم بلا استثناء، والمنكرات على درجات متفاوتة، وأعلى درجات المنكر هو المتمثل بالاستبداد؛ لأن الاستبداد هو مصدر للمنكرات. من هنا كان لزاماً على الحوزات العلمية أن تتحدى المستبدين، وتعمل على تغيير النظام السياسي من نظام قائم على الاستبداد إلى نظام قائم على الشورى، وذلك بانتهاج أسلوب اللاعنف، وأسلوب التدرّج من الأخف فالأخف.
ويعتقد الامام الشيرازي، ان المسلمين بحاجة إلى مؤسسة علمائية ترعى شؤونهم الدينية والدنيوية، وحسب الواقع والشرع فإنّ هذه المؤسسة القيادية لابد أن تكون متمثلة بشورى المراجع الذين يمثلون المرجعيات العامة التي ترجع إليها الأمة، فكان لابُدّ من إيجاد هذه المؤسسة التي لا تنتهي بموت المرجع، فإذا مات مرجع جاء محله مرجع آخر وهكذا.
بعد الانتهاء من الاوراق المقدمة في الحلقة طرح حيدر الجراح بعض الافكار التي تناولتها ورقتان شارك فيها اصحابها عن طريق الانترنت وكانت الاولى للشيخ جعفر رفعتي الأستاذ في حوزة كربلاء المقدسة، الذ أشار الى ان ما نراه اليوم من الانفصال بين صاحبي العلوم الدينية والعلوم المادية فاجعة مؤلمة في طريق التكامل الدنيوي والاخروي لكلا الطرفين وليس نتيجته الا هوان الامة والتأخر. وأرجع عوامل الانفصال بين الحوزة والجامعة، الى عدة أسباب منها الغرور العلمي (الجامعي على الحوزوي أو العكس) وسياسات الكليات الباطلة وقلة الاهتمام. وطرح عدة حلول بينها عقد جلسات ومؤتمرات مشتركة بين الطرفين ثم إصلاح القوانين ومضامين الكتب فضلا عن التواضع والتعاون المشترك.
وفي الورقة الثانية للباحث حاتم حميد محسن والتي حملت عنوان (هل تستطيع المؤسسات الدينية اسلمة المعرفة؟) أشار الى ان الانقسام الثقافي بين التعلم الجامعي وتعليم المدارس الدينية بقي مستمرا رغم الحوار بين الاثنين، مضيفا انه في التحول من التعليم اللارسمي الى الرسمي كان نموذج المؤسسات الغربية هو الذي يضع المعايير. ويذكر اربعة اسباب رئيسية لاتساع الفجوة بين التعليم الديني والعلماني، الاول: الافتراض بان المعرفة هي بلا حدود اما الحياة فهي قصيرة، ولذلك فان المعرفة الدينية تكفي لخلاص الفرد في عالم الاخرة.. السبب الثاني: التعليم الصوفي ركز على نقاء الذات بدلا من التقدم الدنيوي.. السبب الثالث: الوظائف كانت متوفرة بسهولة لخريجي المدارس الدينية في المساجد والمدارس.. واخيرا السبب الرابع موقف الغزالي الذي هاجم فيه الفلاسفة.. ويخلص الباحث الى ان هذا الانقسام والتصنيف للمعرفة بين الديني والعلماني اصبح سببا رئيسيا لتخلف المسيرة العلمية في العالم الاسلامي.
قدم الحاضرون عددا من المداخلات بدأها الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية بقوله: إننا بحاجة إلى تلاقح بين أفكار الحوزة والجامعة. ولا ضير أن يزور الجامعة مرجع ديني أو العكس وكل له كينونته الخاصة ووجوده الخاص. وانتقد العرداوي تدخل السياسة في الجامعات والحوزات.
اما محمد معاش مدير قسم العلاقات في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام فرأى حسب الأوراق البحثية ان أي تواصل أو تكامل غير موجود بين الدراستين الجامعية والحوزوية، وهذا عكس ما يفترض ان يطرحه العنوان عن (التواصل والتكامل بين الطرفين). وعاد محمد معاش إلى فترة العشرينات لغاية الأربعينات من القرن الماضي عندما كانت المراجع الدينية الشيعية تحرم دخول المدارس وكانت البنات أكثر تضررا من البنين في حين كانت المدارس والحلقات الدراسية منتشرة في عصر الأئمة وفي جميع الأمور وبينها الطب والفيزياء والكيمياء والهندسة والفلسفة. ولازالت آثار العلماء وكتبهم تدرس لهذا اليوم بينهم الرازي وابن سينا والرازي وغيرهم.
من جانبه قال الشيخ مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام: إن طابع نشوء الحوزات ليس دينيا فقط، وإنما علمي وتدرس فيه كل العلوم وبعد ظروف معينة من الاستبداد والقهر تحولت إلى حوزات دينية صرفة. لذلك فان أهم أسباب عدم وجود تواصل بين الجامعات والحوزات هو الاستبداد الذي يمنع حرية البحث العلمي ويجعل هذه المؤسسات تابعة للسلطة واجنداتها. وأضاف إننا بحاجة إلى حلقات بحثية مشتركة ومستمرة يجلس فيها الجانبان للخروج بنتائج مهمة ومفيدة، داعيا الى استحداث تعليم حوزوي للاكاديميين، وتعليم اكاديمي للحوزويين.