رسالة مؤسسة “شيرازي فونديشين” بمناسبة اليوم العالمي للتعليم واليوم الدولي لدعم الفتيات والنساء الأفغانيات

رسالة مؤسسة “شيرازي فونديشين” بمناسبة اليوم العالمي للتعليم واليوم الدولي لدعم الفتيات والنساء الأفغانيات

إنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتأكيداً منها على أهمية التعليم باعتباره حقاً إنسانياً أصيلاً، فضلاً عن كونه منفعةً ومسؤوليةً عامّتين،أعلنت يوم 24 كانون الثاني/ يناير من كل عام يوماً دولياً للتعليم، احتفاءً بدوره في السلم والتنمية.

يتفق الجميع على أهمية العلم في تقدم الأمم، غير أنّ قلّةً تدرك أبعاد عملية التعليم في مسار التنمية والتطور؛ فالقضية لم تعد تدور حول مجرّد كسب العلم، محو الأمية، زيادة جرعات الموادّ العلميّة في المناهج التدريسية أو التوجّه نحو استنساخ تجارب تعليمية غربية أو شرقية، بل أضحى التعليم رؤيةً شاملةً تتمحور حول الإنسان واستكشاف طاقاته ومواهبه وإمكاناته واستثمارها بالطريقة المثلى ودون تمييز من خلال تعزيز المهارات الحياتية “كالقدرة على اتخاذ قرارات متوازنة وحل النزاعات بمسؤولية، والتفكير الناقد، والمواهب الإبداعية، والقدرات التي تزود الطفل بالأدوات اللازمة لتحقيق ما يختاره في الحياة”لما فيه خير الإنسانية جمعاء في ما يطلق عليه اليوم مفهوم “جودة التعليم”، والذي نصت إحدى مواد اتفاقية اليونسكو لمكافحة التمييز في مجال التعليم على مسؤولية الدول “ضمان تكافؤ مستويات التعليم في كافة المؤسسات التعليمية العامة في نفس المرحلة، وتعادل الظروف المتصلة بجودة التعليم المقدم ونوعيته”.

إنّ ضيق الأفق والانعزال عن العصر والمجتمع من أخطر ما يواجه التعليم ويحول دون جودته؛ فهو يؤدّي لضرب اتزان الوعي بالمحيط من خلال تضخيم أبعاد وتقليل أخرى وحتى تغييبها بدافع الجهل أو التجاهل، دون التنبّه لتداعيات تلك الخطوات الخطيرة على المدى المتوسط والبعيد.

ولعلّ التعليم الدينيّ في مجتمعاتنا الإسلاميّة بحاجة ماسّةٍ لآليّة تفرز العلم النافع من غيره، كي لا يختلط الحابل بالنابل وينسب للدين ماليس فيه نتيجة آراء فرديّة لا صلة لها بجوهر الإسلام. وقد نبّه سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازيّ (دام ظله) لهذه النقطة الحسّاسة في معرض انتقاده لما ورد في أحد الكتب التي تنسب للإسلام من انتقاصٍ لمكانة المرأة. حين قال:

“ما هذا المنطق (الذي يبرّر الانتقاص من مقام المرأة)؟! وما هذا الفهم (الأعوج)؟ وما الدليل عليه؟ وما برهانه؟” ليردف سماحته بالإشارة للمعيار الذي ينبغي التمسك به عند مقاربة القضايا إسلامياً وذلك بالتمسّك بمنهج أهل البيت عليهم السلام الذي يجسّد قيم الإسلام الصحيحة، محذّراً من الاغترار بأيّ شخصٍ مهما بلغت سمعته أو درِّسَت كتبه في المجامع العلمية قائلاً:

“إنّ الانحراف عن منهج أهل البيت عليهم السلام يودي بصاحبه لمهاوي التقليل من كرامة المرأة التي بالغ القرآن الكريم في تقدير شأنها و جعلها صنواً للرجل، حتى قال تعالى: “خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً””. فإنّ الحقّ-كما قال عليّ عليه السلام- لا يُعرَف بالرجال؛ اعرف الحقّ تعرف أهله.

وفي هذا السياق، نستذكر في هذا اليوم إعلان منظمة اليونسكو تخصيص اليوم الدولي للتعليم هذا العام 2023 للاحتفاء بالفتيات والنساء الأفغانيات اللاتي يعانين من أشدّ أنواع الظلم والقهر من قبل سلطات طالبان التي حرمتهنّ من أبسط حقوقهنّ الأساسيةفي التعليم نتيجة قراءة تلك الجماعة الخاطئة عن تعاليم الإسلام التي لم تميّز بين الرجل والمرأة في طلب العلم كما ورد في الآيات الكريمة و الأحاديث الصحيحة، الأمر الذي يستدعي من كافّة العلماء والقائمين على الشأن الدينيّ كي يبادروا لتحمّل مسؤوليتهم الدينية والأخلاقية و الإنسانية بممارسة الضغوط على سلطات الأمر الواقع في أفغانستان لتعود إلى رشدها وتضع حداً لممارساتها المنحرفة عن رسالة الإسلام السمحة التي تؤكد على صون جودة التعليم الديني على مبادئه النقيّة ومنابعه الصافية ورفض القراءة السطحية له؛ فقد حذّر رسول الله (صلى الله عليه وآله)من تلك النزعة التسطيحية للدين بقوله: “سفهاءُ الأحلامِ يقرؤونَ القرآنَ لا يُجاوزُ تَرَاقِيَهُمْ. يقولونَ من قولِ خيرِ البريَّةِ، يمرقونَ من الدِّينِ كمايَمرُقُ السهمُ من الرَّمِيَّةِ”، الأمر الذي خلّف آثاراً كارثيةً على أرض الواقع في أفغانستان؛ إذ حذرت اليونسكو من “أن قرارات سلطات الأمرالواقع في أفغانستان تهدد بنسف مكاسب التنمية التي حققتها البلاد على مدى السنوات العشرين الماضية.

فمن عام 2001 إلى عام 2021، شهدت أفغانستان زيادة قدرها عشرة أضعاف في الالتحاق بجميع مستويات التعليم- من حوالي مليون طالب إلى حوالي 10 ملايين، بدعم من المجتمع الدولي بما في ذلك اليونسكو.

خلال هذه الفترة، ارتفع عدد الفتيات في المدارس الابتدائية من صفر تقريبا إلى 2.5 مليون. كما زادت مشاركة المرأة في التعليم العالي الأفغاني حوالي 20 مرة، من 5000 طالبة إلى أكثر من 100 ألف.

وتضاعفت تقريباً معدلات معرفة القراءة والكتابة لدى النساء من 17 في المائة من النساء القادرات على القراءة والكتابة في عام 2001 إلى ما يقرب من 30 في المائة لجميع الفئات العمرية مجتمعة”.

وبهذه المناسبة، نؤكد دعمنا لاستعادة الفتيات والنساء الأفغانيات حقهن الطبيعي في التعليم فوراً، و تخصيص حلقة النقاش الأولى لقضية تعليم الفتيات والنساء في أفغانستان.

وختاماً، نجدد دعوتنا في هذا اليوم لكافة الجهات الرسمية والأهلية لإيلاء جودة التعليم مزيداً من الاهتمام سبيلاً لبناء مجتمع إنساني زاهر ينعم فيه البشر بالسلام والازدهار والحرية والمساواة والكرامة.

والله وليّ التوفيق