التزاماً من الأمم المتحدة بأهمية التوعية بالتهديدات ذات الصلة بالتطرف العنيف المفضي للإرهاب وضرورة تضافر الجهود الدوليةلمواجهة تلك الظاهرة، أعلنت الجمعية العامة، يوم 12 شباط/فبراير يوماً دولياً لمنع التطرف العنيف عندما يفضي إلى الإرهاب.
إنّ انفراد الحكومات في وضع برامج التنمية في غياب تصوّر واقعيّ عن المجتمع وتحوّلاته بكلّ تفاصيله وأبعاده الفكرية والمادية و الاجتماعية و الاقتصادية، من شأنه إفراز سلبيات عديدة مهما حسنت النوايا؛ وأشار تقرير الأمين العامّ للأمم المتحدة في 15 كانون الثاني/ يناير 2016 إلى الجمعية العامة عند استعراض خطة العمل لمنع التطرف العنيف، إلى عوامل عديدة لانتشار التطرف العنيف تعود بمجموعها لجذور الحرمان والتهميش من قبيل: قلة الفرص الاجتماعية والاقتصادية، التمييز، سوء الإدارة وانتهاكات حقوق الإنسان ونشر الفكر المتشددفي السجون.
الأمر الذي ينبّه لخطورة الإلغاء والانغلاق على برامج التنمية الاقتصادية و الاجتماعية مهما بلغت من الطموح.
إنّ الطبيعة البشرية للأفراد قائمة على التنوّع والتمسّك بالهويّة المستقلّة، وهو ما يشكّل صمام أمان يتيح خلق آلية مجتمعية لتقويم الأخطاء وتصحيح العيوب. ولا ريب أنّ تجاهل تلك الحقيقة الفطرية لدى البشر في ظلّ خطاب إلغائي أحاديّ الاتجاه سيراكم حالة حرمان وتهميش لدى شرائح في المجتمع، ما يخلق الظروف لانفجارها تطرفاً وعنفاً وإرهاباً.
وأكّد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على أهمية ترشيد النزعات البشرية نحو القيم السامية بدل كبتها منعاً لاستفحالها عنفاً؛ فقد روي عن الإمام علي بن أبي طالب (عليهما السلام) أنه قال: “إنكنتم لا محالة متعصّبين فتعصّبوا لنصرة الحق وإغاثة الملهوف”.
إنّ التحلّي بروح المبادرة الخلّاقة يذلّل المصاعب ويحوّل التحدّيات لفرص بنّاءةٍ، وهو ما نلمسه في سيرة المرجع الراحل الإمام الجدّدالسيد محمّد الشيرازي (قدس سره) الذي طرح نظريته الفريدة حول اللّاعنف منهجاً وسلوكاً في مختلف جوانب الحياة الفردية والاجتماعية، مؤكّداً على أهمية هذا المبدأ في بناء المجتمع والحفاظ على مكتسباته بأقلّ الخسائر؛ إذ وصف اللاعنف “بمعالجة الأمور و مقاربة القضايا سواء كان بناءً أو هدماً بكل لين ورفق، حتى لا يتأذى أحد من العلاج، فهو بمثابة البلسم الذي يوضع على الجسم المتألم حتى يطيب”.
وطرح فتاواه الإنسانية الرائدة على هذا المبدأ الراقي استناداً للقرآن الكريم والعترة الطاهرة بكلّ وضوح وجرأة فصرّح: “يحرم الإسلام الغدر و الاغتيال والإرعاب وكل ما يسمى اليوم بالعنف والإرهاب، فإنه لا عنف في الإسلام، ولا يجوز أي نوع من أعمال العنف والإرهاب الذي يوجب إيذاء الناس وإرعابهم، والغدر بهم وبحياتهم، أو يؤدي إلى تشويه سمعة الإسلام والمسلمين”. كما كان يطالب في أطروحته اللاعنفية بنشر مبادئ السلام العالمية للإسلام ونبذ كل الحملات والمحاولات المغرضة لوصمه بالعنف والإرهاب. وهو ما بانت أهميته بعد أكثر من عقدٍ من رحيله حيث صارت قضية عالمية تشغل بال المجتمع الدولي.
إننا إذ نحتفي باليوم الدولي لمنع التطرف العنيف عندما يفضي إلى الإرهاب، ندعو الجميع حكوماتٍ ومنظمات دولية وإنسانية لتحمل مسؤوليتها في اتخاذ كل ما من شأنه لمكافحة العنف والإرهاب من خلال وضع البرامج والخطط على أساس احترام حقوق الإنسان ورفض التهميش والحرمان وتعزيز المشاركة وتحقيق العدالة واحترام الرأي الآخر وتشجيع الحوار وتمكين الشباب وتعزيز دور المرأة واندماج الأقليات وتوفير فرص العمل والتعليم على أساس المساواة وعدم التمييز.
والله وليّ التوفيق