بمناسبة حلول شهر الله الفضيل ، شهر رمضان المبارك ، أصدرت مؤسسة الإمام الشيرازي العالمية – مقرها العاصمة الاميريكية واشنطن – بيانا ، دعت فيه المسلمين للعودة إلى ثقافة القرآن الكريم ، والتسلح بهداه ورؤاه الإلهية الحقيقية ، معتبرة إن كل مشاكل المسلمين بل والبشرية ، سببها الابتعاد عن قيم السماء وهجرهم للأفكار القرآنية الربانية الفطرية التي نزلت في شهر رمضان الكريم من اجل خير و سعادة البشرية .
أدناه نص البيان :
بسم الله الرحمن الرحيم
(( شهر رمضان الذي انزل فيه القران*هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)) صدق الله العلي العظيم
نبارك للمسلمين حلول شهرالله الفضيل، شهر رمضان المبارك، الذي خصه الله تعالى بأعظم حدث في تاريخ البشرية ألا وهو نزول القران الكريم الذي يعتبر الدستور الحقيقي الخالد، ليس للمسلمين فحسب وإنما لكل البشرية التي ستسعد وتعيش الخير الوفير إذا أخذت به واستلهمت منه الرؤى والهدى بعيدا عن التعصب والأهواء .
ويعود علينا الشهرالفضيل والأمة الإسلامية بشكل خاص والبشرية بشكل عام تعيش المشاكل المزمنة والمستعصية والتي من أخطرها دوامة العنف والإرهاب التي تجتاح العالم والتي حصدت أرواح الكثير من الأبرياء .
وان ما يؤسف له حقا هو أن الكثير من أعمال العنف هذه ، تمارس باسم الإسلام والمسلمين في محاولة من الجهلة والمغرضين والمتربصين لتشويه سمعة الدين الإسلامي الحنيف الذي هو ابعد ما يكون عن كل أنواع العنف ، فهو دين المحبة و السلام والوئام والحوار والتعايش والتعارف ، الم يقل القران الكريم ( و خلقناكم من ذكر وأنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ) و ( ادخلوا في السلم كافة ) و ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) فأين العنف والإرهاب من مدرسة القران الكريم ؟.
إن الجهل والتعصب الأعمى والتوظيف المغرض لآيات القران الكريم المتشابهة ، والتفسير الخاطئ للسيرة النبوية الشريفة ، هو الذي يدفع البعض لممارسة الإرهاب بأسم الدين وباسم القران الكريم ، ولذلك يلزم المسلمين أن يعيدوا صياغة عقولهم وأفكارهم ورؤاهم وثقافتهم علىهدى القران الكريم وسيرة الرسول الأكرم ( صلى الله عليه و اله) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) التي صاغت المدرسة القرآنية مشروعا حركيا تجسد في ممارساتهم الإنسانية اليومية مع أنفسهم والمسلمين والآخر وعلى مدى ثلاثة قرون تقريبا .
و من اجل بلورة مشروع عمل يستغل الشهر الفضيل ويوظف أجواءه الإيمانية والروحية لإعادة صياغة شخصية الأمة الإسلامية بما يؤهلها للتقدم إلى الأمام والنهوض الحضاري ، نذكر النقاط الأساسية التالية :
أولا : ضرورة العودة إلى القران الكريم ، وإعادة قراءة آياته البينات بما ينسجم وروحها الناصعة التي نزلت بها على رسول الله (صلى الله عليه و اله و سلم) ، من خلال القراءة الواعية والتدبر العقلاني والعودة المنفتحة إلى التفاسير العلمية المعتبرة والموثوقة والرزينة ، والتوقف خاصة عند الآيات التي تتحدث عن قصص الأمم السالفة التي تنقل لنا أسباب انحطاطها وعوامل نهوضها ، والعلاقات الاجتماعية التي سادت فيها ، وعلاقاتها مع رسل الله وأنبيائه وكتبه ، وعلاقات بعضها مع البعض الآخر .
إن القران الكريم، بالإضافة إلى كونه المصدر الأساس لأحكام الله تعالى ، فانه كذلك الهادي إلى صياغة الشخصية الإنسانية، فهو خير معبر عن التجارب الإنسانية على مر التاريخ الغابر، لذلك فهو المرجع في دراسة التاريخ وقراءة التجارب الإنسانية للاستفادة منها من اجل تكريس الصحيح وتجنب الخطأ ، لنختزل الزمن والطاقات المبذولة ، فلا نكرر الأخطاء ولا نعيد التجارب على علاتها .
ثانيا:إن الدعاء والتوسل إلى الله سبحانه وتعالى من اجل هدايتنا إلى طريقه القويم ، وتجنب المزالق المهلكة ،أحد ابرز أسلحة الإنسان المؤمن في هذا الشهر الكريم ، ولذلك جاء في القران الحكيم( قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) فالله الله في الدعاء إلى الله تعالى والتضرع إليه من اجل أن يأخذ بيد المسلمين إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة ، فجهد الإنسان وحده لا يكفي لتحقيق الإنجازات الحقيقية ، كما أن الاتكال على الدعاء فقط والتواكل على الحي القيوم من دون بذل الجهد الحقيقي المطلوب ، لا ينجز مهمة ولا يفي بغرض أبدا ، بل لابد من بذل الجهد والنشاط والحركة إلى جانب الدعاء إلى الواحد الأحد ليسدد الجهد، فتثمر الحركة وينتج النشاط كل ما من شأنه الخير والصلاح والسعادة للمسلمين و للبشرية جمعاء .
ثالثا:إن تقدم المسلمين في عالم اليوم بحاجة إلى توفير الشروط والمستلزمات الضرورية التالية :
أ – العلم والمعرفة والثقافة والتجربة والخبرة ، ولذلك جاء في القران الكريم ( يرفع الله الذين امنوا و الذين أوتوا العلم درجات) .
فبالعلم يتقدم الإنسان ، وبالمعرفة والثقافة الواسعة يتطور إلى الأمام ، أما الجهل والأمية التي تتفشى حاليا في بلاد المسلمين على وجه الخصوص ، فستظل العقبة الكأداء في طريق تقدمها ونموها وتطورها ، لان العلم نور أما الجهل فظلام دامس لا يبصر فيه الإنسان طريقه أبدا .
ب – السعي الجاد لوضع حد للسياسات الخاطئة التي لا زالت تبدد ثروات الأمة وخيراتها ، فبدلا من أن تصرف كل هذه الأموال الضخمة والرساميل الكبيرة جدا على التسلح وبناء الأجهزة الأمنية والمخابراتية الإرهابية وتوسيع وتكثير السجون والمعتقلات وعلى بذخ الحكام وعوائلهم وحواشيهم ، يلزم أن نفكر بطريقة مغايرة تماما ، فنبدأ بصرف المال العام على بناء المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية والثقافية ومراكز التدريب المهني والعلمي والتكنولوجي ومعاهد البحث والتحقيق ، والصحة والمستشفيات ودورالايتام ورعاية العجزة والمعاقين ، وتمكين المحرومين وخلق فرص العمل للعاطلين بما يضمن لهم حياة حرة كريمة.
ج – الاهتمام بدورالمرأة ومكانتها في الحياة العامة، من خلال إفساح المجال لها للاستفادة من فرص التعليم والتثقيف والعمل والدور الاجتماعي المناسب .
إن المرأة نصف المجتمع ، وهي المسؤولة الأولى عن تربية الأجيال الصاعدة ، ولذلك فأن المرأة المتعلمة والمثقفة هي التي تصنع جيلا سليما وواعيا ، تقدمه إلى المجتمع ليبني مستقبله الزاهر.
إلى متى تظل مجتمعاتنا المسلمة تنظر إلى المرأة بطرفها ، فلا تعيرها أي اهتمام في مشاريع التنمية والتعليم و التربية والتثقيف ؟ والى متى تظل المرأة مهمشة لا تؤدي دورها الحقيقي والطبيعي المطلوب؟ وإلى متى تظل المرأة جاهلة غير متعلمة ، لا تفهم من الحياة إلا مهامها المنزلية الضيقة؟ والى متى تبقى المرأة حبيسة النظرة الدونية من الرجل؟
أولم تتصدى السيدة الصديقة فاطمة الزهراء(عليها السلام) لدورها الاجتماعي إلى جانب دورها في المنزل؟ وهي القدوة والأسوة لكل رجال ونساء الأمة .
أولم تشارك السيدة زينب بنت الإمام علي( عليهما السلام)أخيها سيد الشهداء الإمام الحسين بن على (عليهما السلام) في مدرسة عاشوراء في كربلاء عام 61 هجرية ؟
أولم تشارك المرأة المسلمة أخيها الرجل المسلم في نشر الإسلام وتدريس تعاليمه في صدر الرسالة المحمدية ؟
إن دورالمرأة المتعلمة الواعية المثقفة الملتزمة في الحياة الاجتماعية لا يتنافى ولا يتعارض أبدا مع تعاليم القران الكريم ، ولذلك فان كل آياته المباركات التي تتحدث عن العلم والمعرفة والعمل والجهاد والدورالاجتماعي تقرن المرأة والرجل ، كجناحين لا يمكن أن يطير المجتمع المسلم إلى الأعالي من دون احدهما ، لان دوريهما يكمل بعضه بعضا .
د – إن مبدأ المشاركة السياسية ،أمر هام جدا لتحقيق الإصلاح والتنمية في مجتمعاتنا المسلمة ، إذ لا يعقل أن تظل السلطة طبقة منفصلة عن الرعية، حكرا على أناس دون سواهم ، والذي يعني تصرف الحاكم بأمور المسلمين من دون رضاهم ، وهذا بالتأكيد أمر مخالف للشرع والدين الإسلامي الحنيف ، الذي اقر مبدأ الشورى كأساس للحكم في قوله تعالى(وأمرهم شورى بينهم) و(شاورهم في الأمر) ، فلا يجوز التصرف بقضايا المسلمين من دون قبولهم ، ولا يمكن أن نتصور قبولهم ورضاهم إذا ظلت السلطة بيد حفنة تعيش في أبراجها العاجية ،لا تعود إلى المسلمين بقراراتها ولا تستشيرهم ولا تسألهم ولا تشاركهم الرأي والتخطيط .
لقد أكد القران الكريم على مبدأ الشورى في الأمور العامة بنص الآيتين السالفتين ، ولا يمكن تحقيق الشورى من دون المشاركة وإفساح المجال للرعية في أن تشارك الحاكم وأجهزة الدولة الرأي والتخطيط من خلال صندوق الاقتراع والمجالس البلدية والشورى والبرلمانات وغيرها من الطرق الحضارية ، التي تضمن للمواطن حق المشاركة والمساءلة والمراقبة .
إن انعدام المشاركة السياسية في الحياة العامة هو الذي أنتج هذه الحالة المزرية التي تعيشها اليوم شعوب الأمة الإسلامية والتي من ابرز آثارها السلبية الخطيرة أن تأخر الأكفاء وقمع القادرون على الإنتاج الفكري الحقيقي ، وتقدم غير الأكفاء من الجهلة و ألاميين والمصلحيين وألامعات التي تصفق للحاكم ليل نهار، لا زالت مصالحها في مأمن و بعيدا عن الخطر .
كذلك فان انعدام المشاركة السياسية تعد سببا حقيقيا وجوهريا لنمو حالات اليأس والضجر والإحباط عند الكثير من الناس والتي تستغلها جماعات العنف والإرهاب لتجنيدهم تحت شعارات براقة وجذابة ، الأمر الذي أدى إلى نمو ظواهر العنف والإرهاب والتطرف بشكل باتت تهدد كيانات دول وأنظمة بأكملها .
هـ – رعاية شريحة الشباب بما يكفل لها نموا تربويا و ثقافيا سليما ، من خلال صناعة الفرص المناسبة لنموها بشكل طبيعي يحصنها من المخاطر ويحتضنها في أجواء سليمة بعيدا عن كل أشكال الانحراف والخطأ.
و – إن كفالة حقوق الإنسان واحترامها، مبدأ هام يلزم أن يتحقق في عالمنا الإسلامي ، الأمر الذي يتطلب منا العمل الجاد من اجل تأسيس الجمعيات والمنظمات التي تعنى وتهتم وتدافع عن حقوق الإنسان، بما يكفل تمتع المواطن بحقوقه الاجتماعية والمدنية والسياسية كاملة غير منقوصة ، بعيدا عن عبث السلطة وأجهزتها القمعية ، من اجل صيانة حرية الإنسان وكرامته و لقد قال تعالى( ولقد كرمنا بني ادم).
نسأل الله تعالى أن يأخذ بيد الأمة الإسلامية إلى ما فيه خيرها في الدنيا والآخرة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مؤسسة الإمام الشيرازي العالمية
الولايات المتحدة الأمريكية – واشنطن –
الشيخ محمد تقي الذاكري