يُحتفل باليوم الدولي للاعنف في 2 تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام. وهذا التاريخ هو تاريخ ميلاد المهاتما غاندي، زعيم حركة استقلال الهند ورائد فلسفة واستراتيجية اللاعنف، باعتبار هذا اليوم هو مناسبة “لنشر رسالة اللاعنف، بما في ذلك عن طريق التعليم وتوعية الجمهور نظراً لأهمية هذا المبدأ والرغبة في تأمين ثقافة السلام والتسامح والتفاهم واللاعنف.
وقد جهد الكثير من العظماء على مدى التاريخ الحديث في ترسيخ واشاعة هذا المبدأ الانساني، خصوصاً علماء وفضلاء مدرسة اهل البيت عليهم السلام، في تقفي متبع لأثراء الاسلام الحقيقي الذي كرم به الله الانسان في ختام رسالاته السماوية وشرائعه الدينية.
وخير ما نستحضر في هذه المناسبة الأممية احدى ابرز الومضات البشرية على هذا الصعيد، الا وهو الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، لا سيما وقد بذل جهده وعمره في سبيل اشاعة مبدأ اللاعنف كوسيلة لتحقيق الاستقرار والامن الاجتماعي في مختلف بلدان المسلمين وغيرهم من اتباع الديانات الاخرى.
فقد جمع الإمام الشيرازي في طرحه لمبدأ اللاعنف أرقى الآراء والأفكار والاتجاهات الحديثة، بل ربما تنوعت بأبعادها أكثر مما طرحه سابقه داعية اللاعنف المهاتما غاندي، أحد أبرز رواد هذا الاتجاه في النصف الأول من القرن العشرين، وربما تجاوز معاصريه في التقسيمات التخصصية النوعية لمبدأ اللاعنف.
فأبدع بطرحه كنظرية معرفية تارة، وأبدع باعتباره شكّل مدرسة اجتماعية إنسانية ذات أبعاد سيكولوجية لمبدأ اللاعنف تارة أخرى، فضلاً عن العنصر الفعال في العمل والسلوك أو التنظير العقلي تارة ثالثة.
فقد نسج نظرية واتجاهات حديثة متجانسة عن اللاعنف، تناول خلالها رؤيته وأفكاره وأسلوبه العملي وخلفيته كإطار نظري مرجعي للرؤية الإسلامية، ونجح في ذلك أعظم نجاح..
رحم الله المفكر والمبدع الخلاق السيد الشيرازي في فطنته النادرة إلى الكشف عن طبيعة احتياج النفس الإنسانية قاطبة إلى مبادئ اللاعنف التي وضعها، مستنداً بذلك على الارث الاسلامي وتعاليم ائمة اهل البيت عليهم السلام، اذ كان يستشهد في كل مناسبة بقوله تعالى: (ادخلوا في السلم كافة). البقرة: 208، مشدداً على إن الأصل في الإسلام.. السلم واللاعنف.
وفي سياق التحديات الجارية التي تعصف بالمجتمع الدولي، والتي باتت تهدد بشكل غير مسبوق السلم العالمي والامن الاجتماعي في العديد من ارجاء المعمورة، تطرح مؤسسة الامام الشيرازي العالمية على قادة وحكام ورؤساء الدول والممالك والجماعات البشرية رؤى ونظريات دعاة اللاعنف والسلام، كضرورة يتحتم على العقلاء الاسترشاد بها والاعتبار منها والنهل من افكارها، علها تدفع مخاطر التهديدات الجدية التي تواجه مجتمعاتهم ووجودهم، داعية في الوقت ذاته الى اعتماد ثقافة اللاعنف والسلام كمبدأ في التعامل مع الازمات ومواجهة الاشكاليات، سواء كانت بين دولة وأخرى او في مجتمع منقسم على ذاته، فحوار مائة عام افضل من يوم حرب واحد. والله من وراء القصد.