جرائم الإبادة في العراق: مسئولية دول الجوار وإمكانية تجريمها

احمد جويد/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

 ذكرت منظمة ضحايا حرب العراق”Iraq Body Count” البريطانية في تقرير أصدرته “أن بين 112 ألفا و122 ألف مدني قتلوا خلال أعمال العنف التي شهدها العراق خلال عشر سنوات، فيما بلغ مجموع مَن قتلوا ومن ضمنهم المقاتلين والعسكريين نحو 170 ألف شخص بحسب المنظمة البريطانية التي اعتمدت في بياناتها على أكثر من 31 ألف مدخلا في قاعدة البيانات منذ بداية الحرب حتى منتصف شباط 2013”.

 هذه الأرقام تفصح عن حجم المجازر التي ترتكب ضد المدنيين العراقيين فبعد مضي عَقدٌ من الزمان لا يزال العراق يتعرض إلى موجة كبيرة من أعمال العنف الإجرامية التي تستهدف أرواح المواطنين المدنيين، من خلال هجمات وأساليب منظمة اتسمت بصفة التدويل، وإن أغلب الدلائل والمؤشرات تؤكد على إن دول الجوار ضالعة في عمليات القتل والإبادة في العراق، فمنذ العام 2003م ودول الجوار تتدخل بشكل سلبي وبنسب متفاوتة تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي، وقد تمثل ذلك التدخل بمجموعة من الصور من بينها:

أولا: التمويل المادي؛ إذ تشير بعض المصادر بان إحدى دول الجوار خصصت ميزانية كاملة تقدر بملياري دولار سنوياً لدعم القاعدة في العراق، فالتمويل الذي تحصل عليه الجماعات الإرهابية والمبالغ الكبيرة المخصصة هي عامل الاستمرار الرئيس للإرهابيين في عمليات القتل اليومية.

ثانيا: التزويد بالمعدات اللازمة للعمل الإرهابي؛ ويتمثل بتزويد تلك الجماعات بأجهزة وأسلحة حديثة ومواد متفجرة بصورة مباشرة يتم تهريبها إلى داخل العراق عن طريق منافذ حدودية تضعف فيها الأجهزة الأمنية العراقية أو تتلاشى، أو عن طريق مهربين متخصصين.

ثالثا: الجهد الاستخباري؛ إذ تقوم تلك الدول وعن طريق أجهزة مخابراتها برسم الخطط وتحديد الأهداف للعمليات الإرهابية، وتكون تلك الأجهزة مرتبطة بأعلى مصدر للقرار في بعض دول الجوار.

رابعاً: الجهد العسكري؛ تقوم بعض دول الجوار بتدريب وتهيئة المجاميع المسلحة بأعلى مستويات التدريب الذي تقف معه الأجهزة الأمنية العراقية عاجزة عن وضع حد لهذا القتل اليومي وهذا يدلل على قوة الدعم الذي يحصل عليه الإرهابيين.

خامساً: احتضان المعارضين للعملية السياسية والمجرمين الهاربين من بقايا النظام السابق:

ثمة جهات عراقية ما يزال حنينها إلى النظام الدكتاتوري قائماً لأنه كان يمنحهم قوة التسلط على العراقيين وهؤلاء يسعون عبر دعم الإرهاب إلى زعزعة الوضع الأمني وقتل الأبرياء من أجل تحقيق أهدافهم الخاصة، وهذه الجهات يتم احتضانها من قبل دول الجوار وهي تعمل بكل حرية على تمويل القتلة وبعلم قادة ورؤساء تلك الدول ومؤسساتها الاستخبارية.

سادساً: الإعداد النفسي؛ إذ تقوم بعض المؤسسات داخل دول الجوار بإعداد الانتحاريين نفسياً وتغذيتهم بأفكار التطرف والعدوانية وتصدر لهم الفتاوى التي تبيح لهم القتل، لتحقق فيهم أقصى أنواع الاستعداد النفسي للقيام بعملهم الإجرامي.

سابعاً: توفير الملاذات الآمنة؛ لا تكتفي دول الجوار بتمويل الإرهابيين فحسب إنما يعملون على توفير الملاذ الآمن لهم من خلال توفير السكن والغذاء ومتطلبات الحياة الأخرى بما يمكنهم من تنفيذ أعمالهم الإجرامية بسهولة.

 ويمكن القول إن أغلب مدن العراق قد تعرضت لإبادة جماعية على يد الجماعات المسلحة وبخلفيات طائفية، ونورد بعض الأمثلة التي يمكن أن تكون مصداق للوصف القانوني للإبادة الجماعية، ومنها:

1- مدينة طوز خرماتو ذات الأغلبية الشيعية التي تتعرض وبشكل مستمر لحوادث القتل الممنهج اليومي وشبه اليومي.

2- مدينة تلعفر- شمال العراق- ذات الأغلبية الشيعية والتي تتعرض لنفس علميات القتل بواسطة السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والعبوات المتفجرة.

3- مدينة الصدر في العاصمة بغداد ذات الأغلبية الشيعية وتتم أغلب العمليات الإرهابية فيها ضد المدنيين العزل داخل الأحياء السكنية والأسواق والمحال التجارية.

4- مدن أخرى في بغداد ذات أغلبية من نفس اللون كـ(الكاظمية، الحرية، الشعب، البياع، حي العامل، ابو جير وغيرها) ترتكب فيها أبشع صور القتل والتهجير.

5- مدن الوسط والجنوب ذات اللون الطائفي الواحد، يتم استهدافها بصورة مستمرة.

وبالتالي من حق العراق كبلد يسعى لحماية أمن مواطنيه أن يسلك جميع الطرق القانونية لرفع دعاوى جزائية ضد الجهات المتورطة من أية دولة في جرائم الإبادة والتي تسببت بسفك دم شعبه، وعليه أن يبادر بالانتظام إلى الدول الموقعة على ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية، وملاحقة جميع الأشخاص من دول الجوار المتورطين في العنف داخل العراق.

دول جوار العراق تتحمل ثلاثة أنواع من المسؤوليات؛

أولاً: المسؤولية جنائية؛ والتي تتمثل بقتل المدنيين.

ثانياً: المسؤولية المدنية؛ والتي تتمثل بتدمير اقتصاد العراق وتعطيل عجلة النمو.

ثالثاً: المسؤولية الأخلاقية؛ والتي تتمثل بانتهاك مبدأ حسن الجوار.

 المحكمة الجنائية الدولية تقرر المسئولية المدنية للدول فقط واستبعاد المسئولية الجزائية الدولية للدول وعلة ذلك أن الأخذ بالمسئولية الجنائية للدول (الشخص المعنوي) – إفلات المجرمين الحقيقيين وعدم مساءلتهم عن جرائمهم التي ارتكبوها بتوقيع الجزاء العادل عليهم، وهذا يتنافى مع مبدأ شخصية العقوبة وتفريد العقاب الذي يتضمن عدم جواز معاقبة الشخص عن جريمة ارتكبها آخر وافلت المجرم الحقيقي من العقاب.

ووفقا لهذا المبدأ، فان المسئولية الجزائية لا تقع على الدولة وإنما تقع على الأشخاص فقط، أما المسؤولية المدنية فتتحملها الدولة عن طريق التعويضات المالية كما حصل في التعويضات العراقية للجانب الكويتي بعد الضرر الذي تعرضت له الكويت إثر الغزو العراقي لها في العام 1990م، وهنا يثار سؤال، وهو، هل يقصد بالأشخاص جميع الأشخاص بما فيهم القادة والرؤساء والأشخاص الذين يمثلون رموز الدولة، أم أن هؤلاء لهم حصانة تحميهم من الملاحقة القانونية المنصوص عليها في مواد هذه المحكمة؟.

 يشكّل التحقيق في الجرائم الدولية والمحاكمة عليها – بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب – مكوّناً أساسياً للعدالة الانتقالية، ويجد هذا الواقع جذوره في الموجبات القانونية الدولية التي تعود إلى محاكمات نورمبرج، وقد استُكملت مع المحاكم الجنائية الدولية الخاصّة بيوغوسلافيا السابقة وبرواندا.

 وتساعد التحقيقات مع القادة ذوي النفوذ (سياسيين أو عسكريين) ومحاكمتهم على حدّ سواء في تقوية سيادة القانون، وتبعث برسالة قوية مفادها أنّ الجرائم من هذا النوع لن يُسمح بها مطلقًا في مجتمع يحترم الحقوق، ولا تزال المحاكمات مطلباً رئيسياً للضحايا. ومتى تمّت بأساليب تعكس حاجات الضحايا وتوقّعاتهم، أمكنها أن تضطلع بدور حيويّ في إعادة كرامتهم وتحقيق العدالة، وهذا يعني إن جميع الأشخاص مهما تكن صفاتهم أو مراكزهم يكونون عرضة للمساءلة والملاحقة القانونية.

إلّا أنّ الملاحقات القضائية وحدها لا يمكنها تحقيق العدالة بمعزل عن تدابير أخرى. فالطبيعة الواسعة النطاق لهذه الجرائم تُظهر أنه غالباً ما يتعذّر معالجة هذه الأخيرة عبر نظام العدالة الجنائية العادي – ما يولّد “ثغرة الإفلات من العقاب”. وغالباً ما تركّز استراتيجيات الملاحقة الفاعلة الخاصّة بالجرائم الواسعة النطاق على المخططين للجرائم ومنظمّيها، أكثر منه على ذوي المراكز الأقلّ شأناً أو مسؤولية.

 فالدول المجاورة للعراق متورطة عن طريق أجهزة مخابراتها متمثلة برئاسة تلك الأجهزة في بعضها وفي البعض الآخر يصل حجم التورط إلى زعماء الدول وقادتها، وبالتالي يمكن ملاحقة قادة الدول ورؤساء أجهزتها الأمنية ومؤسساتها المصرفية الممولة للإرهاب من خلال الإجراءات القانونية المتبعة والتي تندرج تحت اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.

وقد تتطلب هذه الملاحقة المساعدة الدولية التي ترتكز على الممارسات الفضلى من أماكن أخرى – مثلاً بتشكيل محاكم “مختلطة” تضمّ شخصيّات فاعلة، دولية ومحلية، في مجال العدالة، وقد أُنشأت هذه المحاكم في سيراليون، وكوسوفو، والبوسنة، وتيمور الشرقية، وكمبوديا، وإنّ الملاحقة القضائية على الجرائم الدولية قد تُحدِث تلك الملاحقات أثراً أكبر متى تمّت متابعتها بشكل جيد ومدروس، في تعقب شخوص الجريمة وتقديمهم للعدالة، وهذا ما يتطلب فعله من العراق بالتحرك ضد الأشخاص المتورطين في العنف والإبادة من دول الجوار.

 وبالتالي على العراقيين من جهات حكومية مسؤولة ومنظمات غير حكومية وناشطين حقوقيين، خصوصا الدبلوماسية العراقية أن تتبع الإجراءات الجيدة في الملاحقات القانونية وأن تقوم بدورها المطلوب في المحافل الدولية من أجل ملاحقة كل من تورط في إراقة الدم العراقي وتحديد المسئول وتقديمهم للعدالة الدولية والحصول على تعويضات مناسبة كالتي تم دفعها من قبل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي لضلوع المخابرات الليبية بتفجير طائرة “بان أمريكان” التي تحطمت فوق قرية لوكربي الاسكتلندية عام 1988 والذي أدى إلى مقتل 270 شخصا، وتقديم المنفذين للعدالة.

……………………………………………..

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات…

موبايل/009647712421188

http://adamrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights