أصالة اللاعنف

أصالة اللاعنف

إن اللاعنف والسلم هو الأصل الذي يجب أن يُعمل به والعنف هو استثناء يحتاج فعله إلى إقامة الدليل، ومن هنا فقد ذمّ الإسلام الحرب لأنها (في ذاتها قبيحة لما فيها من قتل النفوس والتخريب والتدمير وقد قال سبحانه مؤيداً لذلك: (كُتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) ، فإن الظاهر من هذه الآية أن القتال لو كان طبيعياً لما قال سبحانه (كره لكم).

فالحرب ظاهرة اجتماعية تمليها الغرائز الفاسدة في العديد من الأحيان وليست أمراً طبيعياً. ولذا نجد رسول الله (ص) لم يقدم على حرب واحدة وإنما كان يحارب دفاعاً عن النفس وكان (ص) لا يلجئ إلى الحرب الدفاعية أيضاً إلاّ بعد فقدان الخيارات التي كانت عبارة عن الأمور التالية: الحياد.. العهد أو معاهدة عدم الاعتداء.. الإسلام فإذا أسلم الطرف حقن ماله ودمه.. الجزية)(1).

وسيرة الرسول (ص) هي أفضل مبين لدلالة الآيات القرآنية، فقد كانت حركة الرسول الأعظم (ص) التغييرية مبنية على أساس السلم واللاعنف، فقد عفا رسول الله (ص) عن قاتل عمه وحشي وعفا عن قادة المشركين في فتح مكة بالإضافة إلى كثير من المواقف العظيمة التي عبّرت عن المكنون السامي والسلمي الذي يحمله في رسالته الكونية.

يقول الدكتور محمد حميد الله في كتابه (محمد): «إن محمد (ص) مع أنه استولى على أكثر من مليون ميل مربع مما يعادل كل أوروبا باستثناء روسيا ومع أنه كان يسكن هذه المنطقة ملايين من البشر لم يُقتل في كلّ حروبه من المسلمين إلا مائة وخمسون مسلماً، ويضيف: إن هذا العدد يعادل قتيلاً واحداً في كل شهر تقريباً»(2).

وسيرة الرسول (ص) وأقواله الشريفة يمكن أن ترفدنا بالكثير من الرؤى التي توضّح لنا الطريق في مسألة شرعية العنف وعدم شرعيته، فعن النبي (ص) في حديث المناهي قال: «ومن لطم خدّ امرئ مسلم أو وجهه بدّد الله عظامه يوم القيامة وحُشر مغلولاً حتى يدخل جهنم إلا أن يتوب»(3).

وعن علي (ع) أن رسول الله (ص) قال فيما عهد إليه: «وإياك والتسرّع إلى سفك الدماء لغير حلّها فإنه ليس أعظم من ذلك تبعة»، وقال (ص) أيضاً: «مَنْ قتل رجلاً من أهل الذمّة حرّم الله عليه الجنة التي توجد ريحها مسيرة اثني عشر عاماً». وفي حديث قال علي (ع) لعسكره قبل لقاء العدو بصفين: «لا تقاتلوهم حتى يبدؤوكم فإنكم بحمد الله على حجّة وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم عليهم»(4).

ومن أقواله (ص) في مدح السلم والرفق وذمّ العنف: «إنّ الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه ولا نُزع من شيء إلا شانه.. الرفق رأس الحكمة.. إن الله ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا رفق له.. إن السلام اسم من أسماء الله فافشوه بينكم»(5).

ويقول (ص): «يا علي صفات المؤمن: عظيماً حلمه، جميل المنازعة، أوسع الناس صدراً، أذلهم نفساً.. لا يؤذي من يؤذيه.. وأصلد من الصلد.. ليّن الجانب طويل الصمت، حليماً إذا جهل عليه صبوراً على من أساء عليه… حليماً رفيقاً ذا قوة في لين وعزمه في يقين.. إذا قدر عفا.. لسانه لا يغرق في بغضه.. يعطف على أخيه بزلته..»(6).

ومن أقوال أمير المؤمنين الامام علي (ع) في مدح اللاعنف وذم العنف: «رأس الجهل الخرق، ليكن شيمتك الرفق فمن كثر خرقه قلّ عقله، يا همّام المؤمن هو سهل الخليقة ليّن العريكة.. نفسه أصلب من الصلد.. لا جشع ولا هلع ولا عنف ولا صلف.. وصول في غير عنف..»(7).

ويقول المرجع الديني الراحل الإمام الشيرازي في كلامه المفصّل حول السلام في الإسلام ومنهاج الحركة الإسلامية في عملية التغيير: «الواجب أن يكون شعار الحركة السلام قولاً وفعلاً وفي كل موقع ومع كل الناس»(8).

* مقتطف من دراسة تحت عنوان (العنف وحركة التغيير) نشرت في مجلــة النبــأ-العــددان (21 ـ 22) السنــة الرابعــة1419

…………………………………
(1) الصياغة الجديدة: الإمام السيد محمد الشيرازي، ص349.
(2) الصياغة الجديدة: الإمام السيد محمد الشيرازي، ص353.
(3) الصياغة الجديدة: الإمام السيد محمد الشيرازي، ص394.
(4) الصياغة الجديدة: الإمام السيد محمد الشيرازي، ص365.
(5) الصياغة الجديدة: الإمام السيد محمد الشيرازي، ص595.
(6) بحار الانوار: المجلد 67، ص310.
(7) بحار الانوار: المجلد 67، ص365.
(8) السبيل إلى إنهاض المسلمين: الإمام الشيرازي، ص153.
…………………………..
– الجزء الأول من الدراسة: العنف وحركة التغيير: دوافع واسباب النشوء
http://annabaa.org/arabic/annabaaarticles/9017
– الجزء الثاني من الدراسة: مشروعية العنف
http://annabaa.org/arabic/annabaaarticles/9186