يقول المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله:
إنّ من أهم أسباب الإساءة إلى مقام وشخصية مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله في الغرب وغيره، يعود إلى أمرين:
الأول: هناك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أكْثَرَ من روايته العامّة والخاصّة بطرق مختلفة لدرجة قد تبلغ حدّ التواتر، من أنه صلى الله عليه وآله قال:
« كثرت عليّ الكذّابة وستكثر » وفي بعضها بزيادة: «بعدي».
والمقصود بالكذّابة على رسول الله صلى الله عليه وآله؛ الذين يختلقون الأحاديث وينسبونها له، أو يلصقون بسيرته صلى الله عليه وآله ما ليس من سيرته.
ومنها ما كتبوه في كتبهم استناداً إلى الأكاذيب المكتوبة على النبيّ صلى الله عليه وآله؛ أن (نبيّ الإسلام كان رجلاً مغرماً بالنساء، بل يسعى لتطليق مَن يهواها من زوجها، لكي يصل إلى مبتغاه، ثم كان يأتي بآيات مفتريات في ذلك).
حاشا رسول الله صلى الله عليه وآله ثم حاشاه!
العجيب أن الذين يروون هذه الأحاديث يقال إنهم من الصحابة والتابعين! وتسمّى الكتب التي تقوم بنقلها بالصحاح!
هذه الأكاذيب والروايات الموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وآله تعدّ من الأسباب والعوامل المهمّة جدّاً ـ ولعلّها أهمّ سبب من بعض الجهات ـ وراء صدود غير المسلمين وعدم إقبالهم على الإسلام واعتناقه؛ لأنّ هذه الموضوعات قد عملت على تشويه سمعة وصورة النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله كثيراً، ورسمت له بعض الحالات التي يتأبّى كثير من الناس العاديين أن يوصف بها.
وإن هذه الرواية المدسوسة وأمثالها هي مادة دسمة لأعداء الإسلام الذين يسيؤون للإسلام ولنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله.
فالكتب التي تثير ضجة في أوساط المسلمين في العالم وتسيء إلى الإسلام ونبيّه، كما حصل قبل سنوات مع أحد الكتب الشيطانية وأخيراً في فرنسا، إنما تعتمد أمثال هذه المصادر والروايات لنشر إساءاتها ضدّ النبي صلى الله عليه وآله!
الثاني: لقد أعلن الإمام الحسين صلوات الله عليه في واقعة عاشوراء أنه يسير بسيرة جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسيرة أبيه الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. والسبب في قول الإمام ( أسير بسيرة أبي ) هو لأن الذين جاءوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وقبل أمير المؤمنين صلوات الله عليه وبعده، كانوا قد شوّهوا صورة الإسلام بتصرّفاتهم وأسلوب حكمهم وإجرامهم وفسادهم وإفسادهم. فبعضهم سمّى نفسه خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله، ومنهم معاوية، الذي قام وخلال يوم أو يومين أو ثلاثة وعبر مبعوثه بسر بن أرطاة إلى اليمن، بذبح أكثر من ثلاثين ألفاً من الأبرياء في اليمن، كان فيهم الرضّع والشيوخ والحوامل والأطفال. وقد قتل هؤلاء الأبرياء لا في حرب بل لأنهم كانوا يعتقدون بعليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه بأنه خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله فقط.
وربّ سؤال يطرح وهو: لماذا ابتعد الناس عن الإسلام وتنفّروا منه؟
والجواب الحقّ على ذلك هو: أسلوب وتعامل بني أمية وبني العباس، هو الذي أدّى إلى ذلك. فقد ذكرت كتب العامة بأن آخر سلطان من سلاطين بني أمية الذين كانوا يسمّونهم بخلفاء الله وخلفاء رسوله، وهو مروان، قد غضب على رجل فطلبه، وأحضروه عنده، فقام (مروان) بقلع عيني ذلك الرجل بأصابعه.
ونقلوا بأن معاوية كان يأمر بقطع أيدي وأرجل السجناء بالساطور ثم بقلع أعينهم أيضاً، مما كان ذلك يؤدّي إلى موت السجين بعد ساعات معدودة. وكان معاوية وأمثاله يسمّي نفسه بخليفة الله وخليفة رسول الله وإمام المسلمين، وهم في الواقع أئمة يدعون إلى النار، كما صرّح بذلك القرآن الكريم.
وكان معاوية وأمثاله، يؤدّون الصلاة جماعة وكانوا يعظون الناس ويتحدّثون بالتقوى! واليوم يقوم أتباع معاوية ومروان بارتكاب الجرائم نفسها في العراق وغيره من البلدان، فهل ستكون هذه التصرّفات وهذا السلوك سبباً مقنعاً لغير المسلم بأن يرضى بالإسلام ويقتنع به ويسلم؟!
فهل هناك ما يستحقّ أن نعرضه للعالمين؟
هل نعرض عليهم ونعرّف لهم حكومة معاوية أم يزيد أم حكومة بني مروان أم هارون، أم المأمون، أم البهلوي، أم صدام، أم القذافي؟
فإذا عرّفنا للعالمين أيّ حاكم ممن حكموا في البلاد الإسلامية، عدا النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فسيكون ذلك مدعاة على العار والخجل، فإنّ حاصل ما خلّفه أولئك الحكّام هو تحريف الإسلام وتحريف مسيرته.
كما سمعتم ورأيتم أيضاً، أنه اُقيمت العديد من المظاهرات في دول الغرب، مناهضة للإسلام، وطالبوا برفض الإسلام ورفض بناء المساجد في بلدانهم. والسبب في وقوع وحصول هذا الرفض وهذه المناهضات هي الصورة المشوّهة التي يراها العالم اليوم عن الإسلام من بعض المتلبّسين باسم الإسلام.
فهل من الإسلام أن يقوم طفل أو أطفال وفي غير الحرب، بذبح الأشخاص مع ترديد هتاف الله أكبر؟!
إذا لم تحكم العالم ثقافة الغدير أي ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم، وهي ثقافة الإسلام الحقيقي الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وآله، فستحكمه ثقافة معاوية وأمثاله.
وماتشاهدونه اليوم في العراق وفي غيره من أمثال داعش وغيرهم ومن قبلهم وفي اليوم، فهو لأن هؤلاء ليسوا على ثقافة الغدير.
إذن يجب على المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، بالأخصّ جيل الشباب، أن يقوموا بمطالعة ومعرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله من التاريخ الذي كتبه أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، لا مما كتبه غيرهم، فأهل البيت أدرى بمن فيه، كما قيل.
كما ان الجميع مسؤولين بأن يقوموا بتعريف سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وأخلاقه، وتعاليمه، إلى البشرية كافّة بكل وسيلة من الوسائل السلمية والنزيهة، كل حسب قدرته وطاقاته وإمكاناته، ومسؤولية الدول الإسلامية بهذا الخصوص أكبر من غيرهم.
أسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعاً لذلك.
مكتب سماحة اية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله بيروت لبنان