لذا ينبغي بناء شخصية الإنسان ووعيه استناداً إلى معرفة الحقوق وأداء الواجبات والالتزام بالطابع السلمي للتظاهر أو لأيّ نوع من أنواع المطالبة بالحقوق، لأن الفرد هو لبنة وأصل تكوين المجتمع، وكلما صحَّت الأصول والأسس صحّ ما تلاها من تكوينات مجتمعية أو غيرها، لذا يتطلّب بناء المجتمع أن نبني الفرد أولاً وفق مزايا وفضائل أخلاقية وعرفية وضحّها لنا الإسلام والسنّة النبويّة الشريفة وسيرة آل بيته الأطهار صلوات الله عليهم, كونها نماذج سلوكية فكرية يمكن للإنسان أن يتعلّم منها ويبني بهديها مسيرته الحياتية الصعبة والشائكة في ظل عصر مفخّخ بالأخطاء والإغراءات والعنف والعنف المضاد، وفي ظلّ حكومات لاتهتم كثيراً بشعوبها ولا بسلام وحياة مجتمعاتها أو رعاياها.
العنف والعنف المضاد
إنّ الناس معادن وأشكال يختلفون عن بعضهم البعض، لذا لابد من غرس مبادئ السلام والحوار البنّاء في نفوسهم، في هذا الصدد، يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي في كتاب عنوانه: (من عبق المرجعية):
(لا شكّ في اختلاف ذاتيات الأفراد, فإنّ الناس معادن كالذهب والفضة, إلاّ ان التربية العائلية والمحيط الاجتماعي والنظام الحاكم لها أكبر الاثر في إذكاء حالة العنف في النفوس وإشعال جذوة العنف في المجتمع).
وظاهرة العنف لن تتولّد من الفراغ، بمعنى لابد أن تكون لها مسبّباتها التي تنطلق من أرض الفكر والسلوك معاً، لهذا غالباً ما تُسهم الحكومات السيّئة بصناعة الفرد العنيف ومن ثم المجتمع العنيف لأسباب عديدة، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد بالكتاب المذكور نفسه: (تكمن جذور العنف في الجهل والعصبية والفهم الخاطئ للدين والاستبداد والدكتاتورية والحرمان الاجتماعي والظلم من قبل الحكومات والأفراد الذي يولّد العنف المضاد وغلق قنوات الحوار البنّاء أو ضيق هذه القنوات).
ويؤكّد سماحته قائلاً في المنحى نفسه:
(في أجواء الكبت والإرهاب والاستبداد والدكتاتورية تنمو الاتجاهات المتطرّفة والحركات التدميرية، لذا يجب توفير الحريّة للمجتمع، وإرساء دعائم العدالة الاجتماعية، وتوفير الفرص للجميع، وإعطاء حقوق الفقراء والمحرومين، وقيام الأنظمة العامة التي تحمي المجتمع من حاملي راية العنف).
لهذا حين تندلع تظاهرات هنا وهناك كما يحدث اليوم فربما تشوبها بعض مظاهر العنف، والسبب الحقيقي الذي يقف وراء هذه المظاهر العنيفة هو الحكومات المستبدّة التي تعمّدت تجهيل المجتمع إضافة إلى الحاضن الاجتماعي الذي يتحرّك فيه الأفراد وينمون فيه، فإذا كان حاضناً عنيفاً، لابدّ أنه يورّث العنف للأشخاص الذين يعيشون فيه، لهذا لابد أن ينبّه المطالبون بالإصلاح والتغيير ومن يتبعهم من الجمهور إلى الابتعاد عن ظاهرة العنف واللجوء إلى الأساليب المتحضّرة التي تكسبهم احترام العالم، ولابدّ للمعنيين ومن يهمهم الأمر من القضاء على هذه الظاهرة من خلال وسائل التثقيف وغيرها من السبل المؤدّية إلى ذلك.
يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص:
(يمكن مكافحة العنف في المجتمع من خلال تعميم ثقافة اللاعنف وتوضيح ان العنف نار تحرق الكل ولا تستثني أحداً).
الإسلام ضد أعمال العنف
إنّ اعتماد العنف بديلاً عن الحوار غالباً ما يزيد الأوضاع تدهوراً، ولا يمكن أن يكون العنف طريقاً للحلول الصائبة، بل الحوار فقط هو السبيل إلى تحقيق الانسجام والتقارب عبر الجلوس معاً والتفاهم بلغة حوار بنّاءة تحفظ لجميع الأطراف المتصارعة حقوقها، لذلك أكّد الإسلام دائماً في النصوص القرآنية المباركة أو في السيرة النبويّة الشريفة أو في سيرة أهل البيت عليهم السلام، أكّدوا جميعاً على أهمية الجنوح إلى السلم، والدفع بالتي هي أحسن، لهذا السبب يعارض الإسلام في تعاليمه مظاهر وأعمال العنف، ويدعو إلى السلم واعتماد أساليب التمدّن والحوار طريقاً لتحقيق الأهداف التي يبحث عنها الإنسان أو المجتمع ويسعى إلى تحقيقها، إذ يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي بأن الإسلام:
(يحرّم العنف والإرهاب والغدر والاغتيال, ويحارب كل ما يؤدّي إلى الذعر والخوف والرعب والاضطراب في الناس الآمنين).
إنّ الابتعاد عن العنف بكل أشكاله تمثّل ظاهرة حضارية تحاول المجتمعات المتوازنة أن تحقّقها وتصل إليها وتنشرها بين أفرادها وجماعاتها، حتى في حالات التظاهر والإضرابات وما شابه، حيث تلجأ الشعوب إلى هذا الأسلوب من أجل تحقيق إصلاحات أو تغييرات سياسية تحقّق لها أهدافها، فهي تسعى إلى ذلك بتجنّب العنف واتّخاذ السلم والتحضّر والتمدّن اسلوباً لتحقيق أهدافها، ولعل العنف الذي يرافق الانتفاضات الراهنة في عدد من دول الشرق الأوسط يعود أولاً إلى الحكومات التي تستخدم العنف ضد المتظاهرين، وفي الوقت نفسه تتهم المتظاهرين بأنهم يقفون وراء العنف، لكي تبرّر هجماتها واعتداءاتها على المنتفضين.
ولكن يبقى هذا الأسلوب قاصراً، أيّاً كان الطرف الذي يلجأ إليه، فالعنف لايقود إلاّ للمزيد من العنف، لهذا لابد من اعتماد سياسة نبذ العنف من أجل التغيير والإصلاح، كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي, بقوله:
(أسلوب الحوار ـ أولاًـ والمظاهرات والإضرابات ـ ثانياً ـ هي الأجدى والأحمد عاقبة في السعي إلى الإصلاح والتغيير).