أقام مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث في كربلاء حلقة نقاشية عن شيعة العراق بين عامي (2014 – 2015) التحديات والفرص.
قدم للندوة حيدر الجراح مدير المركز قائلا: لايسعف الشيعة وهم يسترجعون تاريخهم العراقي استذكار تجربة للحكم فيه منذ عرفوا كمذهب مغاير عن المذاهب الإسلامية عدا بعض التجارب التاريخية خارج الإطار الجغرافي العراقي وكان الشعار الأبرز للشيعة خلال قرون طويلة هو المظلومية التاريخية بكافة تلويناتها (دينية –اجتماعية-اقتصادية-سياسية ثقافية).
شكل عام 2003 منعطفاً حادا للشيعة كجماعة دينية لم تحكم نفسها بنفسها، لأنه لم يتم الاستعداد له من قبل الجماعات السياسية الممثلة للشيعة. وتابع الجراح أن الشعار الأبرز بعد عام 2003 هو الأغلبية السكانية التي أصبحت على سدة الحكم إلا إنها لم تستطع إن تطمئن الأقليات الأخرى. وعام 2015 ليس بالضرورة عاماً سيتوقف عند لحظته الأخيرة، بل ستكون لحظة الخوف على مصير العراق من التشظي والتقسيم.
وأثار الجراح عدة تساؤلات وتحديات كان أهمها عن دور الأحزاب الشيعية وما هو دور المرجعية الدينية الشيعية في مواجهة تلك التحديات وهل يمكن تحويلها إلى فرص تحفظ للشيعة منجز الحكم في العراق؟.
قدم المحور الأول في الحلقة النقاشية الدكتور سعد سلوم عضو المجلس العراقي لحوار الأديان ورئيس مؤسسة مسارات للتنمية الاعلامية، ورقته البحثية عن نظرة الشيعة الى المكونات العراقية الاخرى، بيّن فيها ان المجتمع العراقي هو مجتمع تعددي دينيا واثنيا، ولكنه أصبح مؤخرا مجتمعا متشظيا أو في طريق التشظي. وعزا ذلك إلى سلوك النخب السياسية وفشلها في تقديم نموذج ناجح لإدارة الدولة.
وبين سلوم نماذج متعددة للدولة العراقية بين 1921 لغاية 2003. حيث كان أول بناء للدولة العراقية في زمن الملكية هو النموذج القومي العلماني، وفي فترة حزب البعث كان شمولي ثم تحول إلى سلطوي، وبعد 2003 صمم نموذج دولة المكونات على أساس تعددي قومي وديني، حيث تم تقاسم السلطة بين السنة والشيعة والأكراد، وهو نموذج أدى بنا إلى التشظي.
وعن أهم التحديات أكد سلوم إن التحدي الأول هو تحدي الدولة العميقة، وتحدي ما بعد داعش لان الثقافة التي أوجدت داعش ستجد لها بديلا جديدا، ويواجهنا أيضا تحدي عودة المقاتلين بعد انتهاء الحرب مع داعش، فماهي البرامج التي تشملهم وتؤهلهم؟. فضلا عن مشكلة النازحين وعودتهم إلى ديارهم وكيفية إدارة المناطق المحررة والمتنازع عليها.
من جهته قدم الدكتور فاضل الياسري التدريسي في جامعة كربلاء ورقته البحثية عن “شيعة العراق.. التحديات والفرص ” قال فيها: إن السياسة الأمريكية والإسرائيلية تستعد وتهيئ لمرحلة تقسيم العراق إلى ثلاث أقاليم وحسب مكوناته شيعية وسنية وأكراد، والمشكلة ليس في مكونات الشعب العراقي الثلاث وإنما في وجود أزمة ثقة فكل مكون لايقبل الآخر ولا يثق به.
واقترح الياسري تطبيق إستراتيجية مسك الأرض للمنطقة الحيوية من العراق (الإقليم الشيعي) وقد حدد الياسري هذا الإقليم المفترض من الشمال إقليم كردستان ومن الجنوب السعودية والكويت ومن الغرب الحدود السورية وقد شمل سهل نينوى وجبال سنجار وتلعفر بالإقليم، وتمسك من قبل الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي حصراً، وعلى جميع حدود الإقليم ومنع دخول قوات البيشمركة بعد طرد داعش من بقية لأراضي، مع ضمان دعم جمهورية إيران الإسلامية وسوريا وتركيا واستثمار فتوى المرجعية الدينية.
حضر الحلقة النقاشية عدد من الشخصيات والباحثين والأكاديميين بينهم الأستاذ علي كمونه ممثل بعثة الأمم المتحدة في كربلاء الذي قال في مداخلته: “نعتقد كأمم متحدة إن هناك فرصة مؤاتية أن نتصرف وننظر من منظار وطني ونبحث عن المصلحة الوطنية وليس الشيعية فقط وبكسب جميع الجهات والمكونات. أما عن الإقليم فقد نص عليه الدستور العراقي ونتمنى من القيادات الشيعية التفكير بالمشتركات والعوامل الاقتصادية والجغرافية لتشكيل الإقليم وليس العوامل الطائفية. وهناك توجه لدعمنا من قبل الأمم المتحدة يمكن استثماره بتغيير سياساتنا ورفع شأن الهوية الوطنية والتصرف بإيجابية قدر الإمكان.
الشاعر باسم فرات علق على مصطلح المكونات الذي طرحة المحاضر سعد سلوم قائلا: إن هذا المصطلح ليس له وجود في اللغة الانكليزية، وأضاف إن اللاوعي الشيعي يتصرف كأقلية رغم كونه أغلبية، وأكد فرات على ضرورة الاهتمام بالمحيط العربي لان المحيط العربي يعتقد إن العراقيين هم أتباع لإيران وليس لدينا أصول عربية وعليه نحن بحاجة إلى بناء الهوية الوطنية.
وفي ذات السياق يرى الحقوقي عباس الكنبر مدير مكتب مجلس النواب في كربلاء إننا لم نحسن قيادة السلطة لحد الآن، ونحن بحاجة الى صناعة لوبي شيعي داخل مراكز صنع القرار الامريكية، وتقديم الصورة الحقيقية للشيعة داخل هذه المراكز ولابد من مد الجسور مع العالم العربي كما أكد على ضرورة توجيه الخطاب الديني المنبري لبناء ثقافة المتلقي والسامع نحو بناء الهوية الوطنية.
من جهته قال عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات، إن البحوث المقدمة لم تكن مشبعة حول الطائفة الشيعية وتحدياتها في اللعبة الدولية والشيء الآخر كنا نتمنى ان نتحدث عن الشيعة القادة. وأضاف إن المعالجات العسكرية هي ليست حلا للمشكلة بل هي جزء منها ولم يخبرنا التاريخ إن هناك مشكلة حلت عسكريا. ومن جانب آخر فان الحديث عن الإقليم الذي يكثر الحديث عنه هذه الأيام أكثر خطرا على الشيعة في هذه الفترة من الجانب العسكري والاقتصادي وحتى الجغرافي ناهيك عن القضايا والإشكاليات التي ستحصل بين الكتل السياسية الشيعية.
ويرى الاستاذ احمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، الوحدة العراقية مطلوبة باعتبار الشيعة هم الأغلبية المسيطرة على الأمور. ويرى ان هناك فرصة لبناء علاقات سياسية خارجية جيدة مع الخارج، بعد أن أصبحت وزارة الخارجية بدارة الشيعة وان الشيعة بحاجة إلى رفع المستوى الفكري والثقافي، ومن الجانب الاقتصادي هناك فرصة لبناء الاقتصاد بواسطة الاستثمار الأجنبي. وعلى المستوى العسكري لابد من تنظيم الحشد الشعبي لكي لايأخذ أبعادا أخرى بعد القضاء على داعش. ولفت جويد الى ان هناك انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبت من جهات شيعية.
واستنكر الدكتور خالد العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية: نزعة العنف الموجودة في ثنايا ورقة الدكتور فاضل الياسري قائلا: “شعرت بالعنف من الورقة وشعرت بالخوف من المستقبل”. وتابع إن حاجتنا الآن هي كيف نستطيع أن نتجاوز مشاكلنا وصناعة هوية مشتركة باستثمار الجانب الايجابي في موروثنا الثقافي. وختم العرداوي حديثه إن كلا الورقتين لم تركز على دور المؤثر الدولي على العراق وقد غابت الرؤية الايجابية التي توحد الجميع مع غياب التحديد للتحديات والفرص.
واعترض حيدر الجراح مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث وبيّن إن إيران في كل تاريخها لم تنجح في إقامة علاقة تكافؤ وتكامل مع العراق وانما تريده تابعا لها وعمقا جغرافيا لسياساته، وقد انجرف السياسيون العراقيون وراء هذه الرغبة واستسلموا لها. وعندما يمتلك السياسي العراقي القدرة على التعامل مع إيران تعامل الند للند بعد ذلك يمكن ان نعول على العلاقة مع إيران.
من جهته قال مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام إن أخطر شيء على العراق اليوم هو الشيعية السياسية وهي حروب بالوكالة تهدد مصالح الشيعة في العراق وقد تخدم هويات أخرى غير الهوية الذاتية المرتبطة بالعراق، وأصبح الشيعة مجرد حصاد انتخابي مما يؤدي إلى حصول انشقاقات داخل الشيعة كمذهب وجماعة، لهذا ينبغي الحالة الشيعية عن المصالح الفئوية والسياسية. وأوضح معاش إن الشيعة اليوم بحاجة إلى الانفتاح محليا وإقليميا ودوليا لحماية مكاسبهم، لأننا بحاجة إن نتحول من مفهوم الصدام إلى مفهوم الاحتواء لان سياسة الاحتواء مهمة جدا ولأننا الأكثرية لابد إن نقوم بسياسة الاحتواء.
كربلاء انتصار السعداوي