لنعملْ بمعتقداتنا ونخالف أنفسنا

لنعملْ بمعتقداتنا ونخالف أنفسنا

قبسات من فكر سماحة المرجع الشيرازي دام ظله :

    لنعملْ بمعتقداتنا ونخالف أنفسنا

 

شبكة النبأ: عقيدة الإنسان هي صمام الأمام له من الانحراف، هذا هو الوصف الأقرب للعقيدة، أما النفس فهي مصدر المشكلات التي قد يتعرّض لها الإنسان في حياته الطويلة، لذلك غالباً ما يكون هناك صراع بين العقيدة والنفس، فإذا تغلّبت الأولى على الثانية وطوَّعتها، عاش الإنسان سعيداً مطمئناً في حياته، فضلاً عن ضمانة لمكانة حسنة في الدار الأخرى، لأن العقيدة تصبح هنا بمثابة للجام الذي يتحكّم بنفس الإنسان ويقودها كما يريد هو لا كما ترغب هي. 

لذلك نرى أن أصحاب العقائد القوية هم محصَّنون من الزلل، يقضون حياتهم سعداء لا تنغّص حالات الانحراف حياتهم، ولا يصبحون تحت إمرة رغباتهم أو أهواؤهم، كونهم أقوى من تلك الرغبات والماديات، بسبب الحصانة التي تمنحها لهم عقيدتهم، لذلك يعيشون مطمئنين سعداء. 

كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، حيث يقول في كلمة توجيهية قيّمة إلى الشباب: (أسعد الناس وأكثرهم راحة العامل بمعتقداته المخالف لنفسه). 

ويعزو سماحة المرجع الشيرازي الخير والشر إلى الإنسان نفسه، فنفسه هي مصدر الخير والشر، إذا كانت النفس صالحة، فإن أعمال الإنسان ستكون كذلك، بل أن جميع أنشطته وتحرّكاته تكون مأمونة الجانب، كونها تنطلق من نفس مشبعة بالخير والسلام، تبعاً لسلامة العقيدة التي تسيطر عليها وتقودها، ولكن لو انعكس الحال، وكانت العقيدة ضعيفة أو منحرفة، فإنّ الشر سوف يسيطر عليها ويصبح هو لجامها الذي يقودها بدلاً من (لجام العقيدة السليمة)، لذلك تكون أفكار وأعمال الإنسان إما خير أو شر تبعاً لعقيدته ونفسه، وهذه الأعمال هي انعكاس لطبيعة الإنسان وما يؤمن به. 

وهنا يضرب لنا سماحة المرجع الشيرازي مثلاً عندما يقول في كلمته نفسها: (انظروا إلى المطر، فإنّه يهطل على كل شيء، ولكن عندما يهطل على حديقة من الورود فستفوح منها رائحة أو روائح عطرة. وعندما يهطل على الأوساخ فستنطلق منها في الهواء رائحة أو روائح كريهة. فالمطر هو نفسه عندما يهطل على حديقة الورود وعلى الأوساخ، ولكن الخلل يكون في المستقبِل للمطر). أي يكون الخلل في نفس الإنسان. 

أما إذا تمكّن الإنسان من قيادة نفسه والسيطرة عليها، فإنه يعيش سعيداً طوال حياته، حيث يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (كما ان كل من يعيش هذه السعادة وهذه الراحة فسوف لا يراجع المشافي العقلية ولا يرقد فيها، ولا يعزم على الانتحار، ولا يندم على ماضيه في مستقبله). 

لا ينبغي للإنسان أن يحتال على عقيدته 

مما يمكن أن يقوم به الإنسان، هو الاحتيال على عقيدته، والالتفاف عليها، في محاولة فاشلة لتلبية رغبات النفس ودخول عالم الانحراف بغطاء هش من العقيدة، ولكن مثل هذا السلوك مفضوح وواضح ومكشوف للجميع، ولنفترض أن الإنسان نجح في غش الناس المحيطين به لمدّة من الزمن بأنه إنسان ملتزم بالعقيدة وهو في الحقيقة يعمل عكس ذلك، قد يمرّ هذا السلوك المنحرف المغشوش حيناً من الزمن على الناس لكنهم سوف يكتشفون الكذب والزيف والانحراف، بالاضافة إلى أن الله تعالى لا أحد يستطيع أن يغشه سبحانه. 

من هنا فالإنسان مرغم على تدريب نفسه على هضم العقيدة الصحيحة ومتطلّباتها، وهو ملزم بكبح النفس وردعها بكل الأساليب المتاحة له، مع تقوية الإيمان بعقيدته في كل لحظة حتى تكون الحاجز بينه وبين ارتكاب الآثام والولوج (لاسمح الله) في متاهات الشرّ التي يجب على الإنسان الخروج منها إذا وقع في حبائلها، لذا مطلوب تقوية العقيدة بدلاً من إضعافها وإهمالها. 

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (على الإنسان أن يلقّن نفسه دائماً بأنه ماهي معتقداته، وبماذا يعتقد، وماذا يعقل، وذلك لكي يستفيد أكثر ويكون الأفضل، لا أن يحتال على ذلك ويلتف على معتقداته وعقله، وعلى ما جعله الله تعالى من أساس في عقل الإنسان). 

لذلك هناط طريق واضح مفتوح أمام الإنسان، هو طريق العقيدة السليمة، وهي التي ترشد صاحبها إليه، وتصونه من الوقوع في مواطئ الزلل، فقد وضع الله تعالى قواعد للخير والصلاح في ذات الإنسان وما عليه سوى أن يسير في هديها، بمساعدة العقيدة التي تضيء الدرب الغامض والمشوش والحافل بالمحرّمات التي ينبغي أن يتجنّبها الإنسان بقوة عقيدته. 

كما يوضح ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (إذن على المرء أن يقول ويعمل ويتصرّف وفقاً لمعتقده، ووفقاً للأساس الذي جعله الله تعالى في عقل الإنسان، وذلك مع الله عزّ وجلّ، ومع أهل البيت صلوات الله عليهم، ومع زوجته وأولاده وعائلته وزملائه، وباقي الناس). 

العقيدة تحقق الرفاه النفسي والقلبي 

الرفاه النفسي أفضل بكثير من الرفاه المادي، فالأول يعني استقرارك واطمئنانك وسعادتك، والعيش في الحياة بأمن وسلام وتعايش وهدوء مع الجميع، أما الحصول على الرفاه المادي وفقدان الرفاه النفسي فهذا يعني أنك غني بالمال، ولكن فقير بالاطمئنان النفسي والهدوء والاستقرار، وما فائدة أن تكون غنيّاً بالأموال والخوف يحاصر نفسك من كل جانب؟؟، قد لا يستطيع الإنسان أن يلمس الفرق بين الرفاه المادي والنفسي وقد يفضّل الأول على الثاني، ولكن من يجرّب فقدان السلام الروحي سوف يعرف قيمته. 

لذلك مطلوب من الإنسان أن يتعامل مع الناس بعقيدته ويكون مخالفاً لنفسه، حتى يتحقّق له الرفاه القلبي والنفسي، كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (إذا أراد أن يقول كلمة لفلان الشخص قبال تصرّف حسن للأخير أو تصرّف سيئ، فعليه أن يقول ما يوافق معتقداته وما يريده معتقده، وليس وفق ما تأمره به النفس. وهكذا في تصرّفاته وفي مواجهة مشاكله. فمن يلتزم بذلك سيكون من أسعد الناس، وأكثرهم راحة ورفاهاً. والمقصود هي السعادة والراحة النفسية والقلبية، والرفاه النفسي والقلبي، وليس في الماديات). 

إنّ صراع الإنسان ضد نفسه صعب وقاس، انه ليس كلاماً فحسب، انه نوع من الجهاد ضد النفس، والعمل على تزكيتها ليل نهار، وهو أمر ليس بالهيّن أو السهل، لذلك في جميع الأحوال ليس أمام الإنسان، إلاّ السير في هذا الطريق، ونعني به، طريق تزكية النفس، من خلال تعميق العقيدة والالتزام بها والعمل وفق مساراتها ومبادئها التي تحمي الإنسان من سطوة النفس وهيمنتها ورغباتها، التي تدفع بالإنسان نحو الخطأ، وحده الذي يتغلّب على رغبات نفسه وأهواءها، ويصطف إلى جانب عقيدة، ينال سعادة الدارين، الأولى والثانية. 

من هنا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (إنّ أساس ما مرّ ذكره هو قوله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) سورة الشمس: الآيات7و8و9. بلى إنّ هذا الأمر صعب جدّاً، ولكنه مهم جدّاً للجميع. والعمل به في كل المجالات وللجميع، مهما اختلفت مستوياتهم، يعطي عامله أعلى درجات الامتحان، أي مائة من مائة). 

وهذه الدرجة العالية، لا يطولها إلاّ من يتمسك بعقيدته، ويردع نفسه، انه في هذه الحالة فقط يحقّق الفوز ويحصل على الدرجة المطلوبة والكاملة، كونه جاهد نفسه وحافظ على عقيدته ومبادئه وتمسّك بها إلى الأبد