ولاية الفقيه.. و الولاية بالوكالة في فكر الإمام الشيرازي

ولاية الفقيه.. و الولاية بالوكالة في فكر الإمام الشيرازي

لـ تجربة نظام ولاية الفقيه الفردية المطلقة في إيران بعض المحاسن و المعائب؛ و أهم محاسنها هو اكتشاف بعض معايبها و التي تجلّت في تحميل ولي الفقيه و المتصدون للأمر المنصوبين من قبله، كل آثام النظام و سلبياته، و بالتالي فإن مرد ذلك يعود إلى أصل (الدين) ؛ ذلك لأن النظام يحكم باسمه.. و هو الذي سبب الردة السياسية أو الدينية عند ضعاف النفوس، أو أعطى ذريعة للمعادين للدين على أن يتصيدوا في الماء العكر ليشنّوا هجماتهم على الدين. فـ لو كانت الدولة، علمانية أو غير دينية، لما كانت السهام تتوجه نحو العلمانيين أو اللادينين، إن أخطأوا أو ظلموا، و إنما كان يتحمله وزرها الأفراد بـ صفتهم أفراد، لكن ان اصطبغت بـ صبغة الدين فكل زلة تكتب على الدين لا على من يحكم باسمه. “و يصبح الإسلام  بفعل السياسيين ضعيفًا مشوهًا.” (١)

 كما أنها لو كانت ديمقراطية دينية أو حسب المصطلح الفقهي (شوروية)؛ لما كان لهذا الإشكال أن يحصل. مثلًا؛ لو طبقت نظرية الإمام الشيرازي في الحكم و هي عبارة عن “شورى الفقهاء”، و من خلال تعدد الآراء و الأذواق في اتخاذ القرار، كان تأثيره عند الرأي العام أن الأفراد هم من اتخذوا القرار، و بالتالي لن يُسجّل باسم الدين إن حصل خطأ فردي.

و بما أن نظرية الشورى لم تطبق فـ إنَّ للإمام الشيرازي نظرية أُخرى قد تكون بديلة عن الوضع الحالي؛ و هو أن يحكم أصحاب الكفاءات نيابة عن الفقيه، و سيكون دور الفقيه في (الظل) بـ صفته مرشدًا أو مشرفًا للأمور.

يقول الإمام الشيرازي: “إنّ جمهرة كبيرة من العلماء كانوا يتصرفون في شؤون الدولة والسياسة العامة، أمثال كاشف الغطاء الكبير، حيث أجاز للملك القاجاري (فتح علي شاه) أنْ يزاول أعمال الدولة بالنيابة عنه، وحجة الإسلام الشفتي، والسيد المجاهد، والسيد المجدد، والشيخ ميرزا محمد تقي الشيرازي، والسيد محمد كاظم صاحب العروة، حيث أفتى بإخراج العثمانيين، والآخوند صاحب الكفاية، والسيد الحبوبي.. أمَّا مزاولة الكركي والمجلسي والبهائي والمير الداماد وغيرهم للحكم في أيام الصفويين، فغني عن الكلام، إلى غيرهم من العلماء الكبار ممّا لا يخفى على من راجع أحوالهم (قدس الله أسرارهم)، بل لم نجد عالماً تسنى له ذلك فلم يقدم عليه، بل في كثير من القرى والأرياف في إيران والهند وپاكستان وأفغانستان والعراق ولبنان وغيرها يحكم العلماء ووكلاؤهم.” (٢)

و يبدو أن المخالفين في المذهب قد استفادوا من التجربة الإمامية في زمن الغيبة فـ فصلوا أمر رجال الدين عن رجال الدولة، و نموذجه ابن عبد الوهاب و آل سعود؛ حيث صارت إدارة الدولة بيد الأمراء من آل سعود و ذراريهم، أما (التوجيه) و (الإرشاد الديني) فصار بيد ابن عبد الوهاب و المفتين من آل الشيخ. (٣)

و يبدو أنّ الوضع في العراق أخذ يتجه بهذا التوجه، و لذلك  فإن رجال السياسة و الحكم يتسابقون في طرق باب المرجعية الدينية في النجف الأشرف لـ يضمنوا استمرارهم في الحكم، و رغم كل الأزمات و المفاسد الجارية في الدوائر و الوزارات فإنهم يحصلون على ما يريدون، إلا أن ذلك ليس نابع من أصل النظرية بقدر هي نابعة من قلة الإشراف و الإرشاد من قبل المرجعية.

و تبقى نظرية “الولاية بالوكالة” من ضمن عشرات النظريات المغمورة و المغمورة التي قدّمها الإمام الشيرازي في طيات كتبه و في مختلف المجالات. و هي جديرة في العصر الحاضر لحل أزمة السياسة و الحكم في إيران و العراق.

الهوامش

(١) محمد تقي الذاكري؛ و هل يخسر الإسلام إذا خسرنا؟، موقع الشيخ الذاكري بتاريخ ١ أبريل ٢٠١٩

(٢) الإمام الشيرازي؛ فقه الحكم في الإسلام، المسألة ٢: ولاية الفقيه الجامع للشرائط.

(٣) خالد الدخيل؛ الوهابية بين الشرك و القبيلة، ص ١٤٤